.
نوّرها

عن النوستالجيا: فاكر أيام لمتنا؟

كتبت: يارا كمال

يمكن حضراتكم تكونوا أخدتم بالكم زيي إن الإعلانات شغّالة على نغمة النوستالجيا بقالها سنين أهيه، وابتدت تسرح على البرامج والمسرحيات، حتى موقع الساوند كلاود بقينا بنلاقي عليه تراكات أغاني تسعيناتي، وفيه ناس بقت بتشيّر على الفيسبوك صور للعب اللي كان شباب دلوقتي بيلعبوها من ييجي عشرين سنة كده، نوستالجيا بقى وكده!

النوستالجيا .. الحنين إلى الماضي

أنا الصراحة كنت مستغربة لإني كنت فاكرة إن الحنين إلى الماضي ده بييجي لحد لحق يبقى عنده ماضي، يعني حد كبير في السن مثلًا فيقعد يتنطط علينا ويقول لنا ”هو انتوا عندكم فن؟ .. هو انتوا عندكم وطنية؟ .. هو انتوا فيكم صحة؟ .. فين أيام زمان؟“، لكن اللي كان غريب بالنسبة لي إن يبقى شاب في العشرينات أو التلاتينات وعنده نوستالجيا. يا ابني أنت لحقت تعيش عشان يبقى عندك حنين للماضي؟ بس يظهر إن كان عندي شوية مفاهيم غلط.

زمان كان بيعتبروا النوستالجيا دي خلل عقلي، واللي طلّع المصطلح ده هو الطبيب السويسري جوهانس هوفر وهو بيحاول يشخّص حاجة الجنود لإنهم يرجعوا بيوتهم. جوهانس مزج بين كلمتين يونانيين (nostos – algos) بمعني (المعاناة – الأصول).

مش شايف إنك كبّرت الموضوع شوية يا دكتور جوهانس؟ يعني أكيد مش عشان عندي حنين للبوكيمون وبيكاشو يبقى عندي خلل عقلي.

إزاي الذكريات بتتكوّن؟

طب في الأول محتاجين نعرف إزاي الذكريات بتتكوّن؟ فيه ذكريات قصيرة المدى زي مكان المفاتيح أو أكلت إيه امبارح، دي بتتخزّن في الفص الجبهي من المخ، أما الذكريات طويلة المدى زي اسم صاحبك وازاي تركب عجلة، فدي بتتحرّك من خلال النواقل العصبية لجزء تاني في المخ موجود في مكان أعمق في تجويف الجمجمة اسمه الحصين (Hippocampus). لما المشاعر المصاحبة للذكرى بتبقى قوية، بتبقى أثر الذكرى في المخ قوي هو كمان بفعل النواقل العصبية.

السؤال الأكثر أهمية في موضوع النوستالجيا ده هو: إيه اللي مخليه ياكل مع الناس كل ده مع إنه اتهرس؟

الصراحة النوستالجيا ليها جمايل كتير على نفوسنا. فيه أخصائي نفسي اسمه ”كونستنتين سيديكيدس“ بيقول إن النوستالجيا ممكن تكون مصدر لينا يساعدنا على التواصل مع الناس ومع الأحداث، وده ممكن يخلينا نتحرك لقدام بخوف أقل، وبيحسسنا بالترابط الاجتماعي والانتماء،  وده بناءًا على نظرية إدارة الخوف (Terror Management Theory)، واللي بتفترض إن فيه حاجة نفسية أساسية عند البشر لإنهم يتعاملوا مع حتمية موتهم.

والتجارب اللي اتعملت لاختبار النظرية دي بتقول إن الناس اللي بتكون عندهم مشاعر النوستالجيا أكبر من العادي بتبقى شايفة الحياة ليها معنى، في حين الناس اللي مش عُرضة أوي لفكرة النوستالجيا ممكن تزيد عندهم مشاعر إن الحياة ملهاش معنى.

كمان الناس اللي بيكونوا عرضة للنوستالجيا مش المحتمل إن يكون عندهم أفكار دايمة حوالين الموت، وبرضه مابيكونوش عُرضة أوي لمشاعر الوحدة. يعني وفقًا للتجارب دي، النوستالجيا جزء مهم في الصحة العقلية، لإنها بتبقى عاملة زي مخزن للذكريات الإيجابية.

النوستالجيا كمان بتساعدنا نبقى متواصلين مع ذواتنا، بمعنى إنها بتربط بين حاضر الشخص وماضيه.

ده غير إن النوستالجيا بتكافئ المخ، يعني فيه باحثين في جامعة روتجرز في ولاية نيو جيرسي عملوا تجربة بإنهم فحصوا مخ المتطوعين للتجربة من خلال التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، ولقوا إن أشكال نشاط المخ عند الناس اللي بيستعيدوا ذكريات سعيدة تشبه اللي عند الناس اللي أدوهم فلوس أثناء التجربة، لدرجة إنهم لما خيّروا المتطوعين إنهم ياخدوا فلوس قليلة قصاد إنهم يستعيدوا ذكرى إيجابية وإنهم ياخدوا فلوس أكتر قصاد إنهم يستعيدوا ذكرى عادية محايدة، فضّلوا في الغالب إنهم يستعيدوا الذكرى السعيدة مقابل فلوس أقل.

نيجي بقى للحاجة التانية اللي كانت محيراني: هو ليه الشباب الصغير بيحسوا بالنوستالجيا؟

907

أنا كان عندي اعتقاد خاطئ إن اللي بيحس بالنوستالجيا هما الناس العواجيز، بس بالعكس ده الشباب الصغيرين هما اللي بيحسوا بالإحساس ده نتيجة إن في عمرهم ده بيبقوا في مرحلة تغير، ولإن هو ده الوقت اللي بيبقوا بيحددوا فيه هما عايزين يعملوا إيه، وبالتالي مع دخول الجامعة والالتزام بشغل أو جواز ده بيعمل مشكلة في الإحساس بالهوية اللي بتعززه النوستالجيا.

فعادي بقى نرجّع ماما نجوى ونصحي عمو فؤاد من رقدته، ونسمع أغاني حسام حسنى، لعلها تعالج قليل من أزمة الهوية لدينا.

المصادر:

bbc.com    ncbi.nlm.nih  nature.com

america.aljazeera    livescience

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى