
“دي بتنوّر لوحدها في الضلمة!” : عن الكائنات المضيئة
في مغامرات أعماق البحار حيث الطفولة البريئة، وفي أفلام الكارتون حيث الأوقات اللذيذة قابلنا قنديل البحر والسمكة اللي بينوروا بالليل أو في الضلمة. إيه بقى قصة الكائنات اللي بتنور في الضلمة دي؟
الحقيقة إن في حيوانات كتير بتتمتع بخاصية اسمها التلألؤ أو التوهج البيولوجي، الخاصية دي اللي بتمكن الحيوانات دي من إنها تنور فعليًا، بس إزاي الكلام ده بيحصل؟! ده اللي هنعرفه حالًا.
التلألؤ البيولوجى هو انبعاث ضوء من أجسام كائنات حية عن طريق تفاعل كيميائى ينتج عنه ضوء. الظاهرة دى غالبا منتشرة فى الكائنات البحرية، وبعض أنواع الفطريات والكائنات الدقيقه بما فيها بعض من أنواع البكتريا بالإضافة لبعض الكائنات البرية زى اليراعات المضيئة (نوع من الخنافس). فى بعض الحيوانات المضيئة بيكون سبب الإضاءة وجود كائنات بتعيش تكافليًا على أجسامها زى بعض أنواع البكتريا، وبتكون هي اللي بتصدر الضوء اللي بنشوفه.(1)
زى ما اتكلمنا ظاهرة التلألؤ البيولوجى بتنتج عن تفاعل كيميائى لإنتاج الضوء بيتم عن طريق وجود صبغة باعثة للضوء اسمه صبغة (لوسيفيرين) وإنزيم اسمه (لوسيفيريز). الإنزيم بيحفز تأكسد الصبغة وبالتالى بيحصل انبعاث الضوء (التأكسد يعني تفاعل المادة مع الأكسجين وتغيير تركيبها الكيميائي). فى بعض من الكائنات المضيئة دي بيحل محل إنزيم اللوسيفيريز مادة كميائية اسمها الـ(فوتوبروتين)، ودي برضه بتتحد مع الصبغة والأكسجين، وبمساعدة بعض الأيونات زى الكالسيوم والماغنسيوم بيُنتج الضوء .
ظهور الضوء يختلف اعتمادًا على البيئة المحيطة بالكائن الحي نفسه، فى الكائنات البحريه غالبًا ما يظهر الضوء فى وجود الطيف الأزرق والأخضر، وده بيسهل رؤيتها فى أعماق المحيطات خصوصا وأن معظم الكائنات البحرية حساسة لألوان الأزرق والأخضر في حين لا تكون قادرة على التعامل مع الأصفر والأحمر والبنفسجى.
كمان معظم الكائنات البرية تظهر اللون الأزرق والأخضر إلا أن بعضها عنده القدرة على التوهج فى وجود الطيف الأصفر كـ(اليراعات وأحد أنواع الحلزون الأرضى). بعض الأنواع التانية تملك القدرة على التوهج فى أكثر من لون واحد كنوع من يرقات الخنافس، يضئ فيها الرأس بالأحمر والجسم بالأخضر بالإضافة لبعض الكائنات اللي بينبعث منها الضوء بشكل مستمر كبعض أنواع الفطريات الموجودة على الخشب المُتحلل.
معظم الكائنات المضيئة بتستخدم الخاصية دي فى شكل فلاش يستمر لمدة من ثانية واحدة لـ10 ثوانى، وغالبًا بيظهر الفلاش فى مواقع معينة على جسم الكائن زى النقط الموجودة على جسم الحبار مثلًا، وأحيانا بيظهر على الجسم كله.(2)
إزاي بتستفيد الحيوانات من الخاصية دي؟
الكائنات المضيئة بتستخدم الخاصية دي فى اصطياد الفرائس أو التخفي من الأعداء إلى جانب بعض الوظائف الحيوية الأخرى. تعتبر هذه الخاصية وسيلة دفاعية لبعض الكائنات التانية زي بعض أنواع الحبار اللي لا تحتوى أجسامها على خاصية وجود حبر تطلقه فى حالة الخطر. الحبارات دى عبارة عن نوعين: في حالات الخطر الأول ينبعث منه الضوء فى شكل فلاش يسبب ارتباك للأسماك المفترسة وفي أثناء ذلك يقوم الحبار بالهرب سريعًا، وفى نوع آخر من الحبار يطلق مادة مخاطية مضيئه تفاجئ المُفترس وتسبب له نوع من التشوش فتؤخر تحركه، وبالتالى تسمح للحبار بالهرب.
المفترسات البحرية كأسماك القرش التى تعيش فى الأعماق تصطاد عن طريق رؤية ظل الحيوانات التى تتغذي عليها، وبالتالى هناك بعض أنواع الأسماك التى تستخدم وجود خاصية التوهج لحماية نفسها عن طريق استخدام التمويه، بمعنى إنها بتخلي تحتها كمية ضوء مساوية لكمية الضوء فوقها، وبالتالي مش هيكون لها ظل، فتصبح غير مرئية بالنسبة للمفترسات.(3)
بعض أنواع الأسماك تستخدم هذه الخاصية لاصطياد الفرائس، أشهرها (سمكة أبو الشص أو Angler fish)، فهي تستخدم الضوء لإغراء الأسماك الصغيرة. سمكة أبو الشص لها رأس كبير وفم عريض، فوق رأسها في بروز طويل بينتهى بكرة صغيرة بتنوّر، النور ده بيجذب الأسماك الصغيرة بعدين فجأة تلاقي نفسها جوه فم السمكة وسط سنانها الكبيرة، وأقرب شكل ليها السمكة اللي كانت بتنور في كارتون ”نيمو“. هناك أنواع أخرى من الأسماك تستخدم خاصية التوهج أو التلألؤ للعثور على الفرائس من الأساس عن طريق بث ضوء أحمر ماتقدرش الأسماك التانية تشوفه، وبالتالي تتمكن السمكة دي من إنها تشوف الفريسة من غير ما تنتبه الفريسة أو السمكة اللي هتتاكل لوجودها.
فى بعض الحيوانات تُستخدم هذا الخاصية فى عملية التزاوج عن طريق استخدام الضوء لجذب الشريك، في بعض أنواع الحشرات الذكر بيصدر فلاش يجتذب الأنثى ويدلها على مكانه. كتير من الحيوانات على سطح الأرض بتستخدم الخاصية دي فى أغراض تانية كإرسال إشارات تحذيرية لبعضها بوجود خطر ما أو فى التواصل بين بعض الحيوانات البدائية داخل نفس المستعمرة.(4)
هل ممكن للإنسان الاستفادة من الخاصية دي؟
فعليًا تم الاستفادة من خاصية التوهج الحيوي فى مجالات كتير منها مجالات صناعية وطبية، مثلًا حاليًا بيتم استخدام الجين المسئول عن الخاصية دي فى تجارب متعددة للهندسة الوراثية لإن الجين ده بيحتوي على لون معين، وبالتالي عند ارتباطه بأى جين تاني فى أي خلية بيكون بمثابة علامة مميزة للجين ده، وبالتالى بيسهل دراسته والخروج بنتائج.
بالإضافة للاستفادة من خاصية التوهج فى بعض التجارب على الفئران للقضاء على الخلايا السرطانية، عن طريق تقنية تغير من خلايا الكائن نفسه بحيث تخليها بمجرد ما تصبح مسرطنة تبدأ فى إفراز الصبغة المسئولة عن ظهور الضوء واللي بيساعد هو نفسه في علاج الخلية المصابة، ومع وجود مصادر إشعاع أخرى يمكن أن يتم القضاء تمامًا على الخلية السرطانية من غير ما تتأثر الخلية الطبيعية.(5)
أما فى المجالات الصناعية فكانت هناك محاولات للاستفادة من تلك الخاصية فى تقليل الحاجه لإضاءة الشوارع عن طريق تجربة زرع الجين المسؤل عن الضوء فى بعض الحشرات فى أنواع من الاشجار واللى بدأت فى الإضاءة تقريبًا لمدة ساعة بمجرد لمسها إلا أن هذه الإضاءة كانت غير واضحة تمامًا للعين المجردة.
قام مجموعة من الباحثين فى جامعة ”ويسكونسن ماديسون“ بأبحاث حوالين استخدام نوع البكتريا المضيئه (E.coli) لمحاولة استخدامها فى صنع اللمبات. إذا نجح العلم فى تطوير هذه الدراسات، هيكون لها فوائد عظيمة لإنها من كائنات حية بالطبع غير ملوثة للبيئة بالإضافة لكونها غير مكلفة.(6)
اقرا أكتر عن استخدام البكتريا في الإضاءة من خلال الخبر ده: صناعة أضواء من البكتريا
المصادر: