ماكنة الترجيع! إحنا ناقصين قرف؟
كتبت: يارا كمال
كليشيه أوي في الأفلام المصرية إننا نعرف إن واحدة حامل بإنها تقوم فجأة من على الأكل وتخش الحمام ترجّع. الترجيع ده أكتر عَرَض مرضي أنا بكرهه، يعني تحس إن ضلوعك بتتعصر. القئ ممكن يحصل نتيجة مشاكل في القناة الهضمية، زي التهاب المعدة، التسمم الغذائي، الإفراط في تناول الطعام، الحساسية الغذائية، وعدم تحمّل اللاكتوز عند الأطفال، وحالات تانية كمان.
وفي أوقات تانية القئ بيكون مرتبط بالمخ والجهاز الحسي، فبيحصل مع دوار الحركة، الارتجاج في المخ، الصداع النصفي، سرطان المخ، وحاجات تانية زي الحمل والمخدرات (زي الكحوليات والمواد الأفيونية… إلخ)، والاضطرابات في التمثيل الغذائي (زي التغيّرات في مستوى الكالسيوم والجلوكوز واليورية … إلخ) والعوامل المعدية زي النوروفيروس (وده هنتكلم عليه بالتفصيل كمان شوية).
فخلونا نمسك الموضوع من أوله، مبدئيًا كده إحنا بنرجّع إزاي؟
القئ عبارة إنك بتخرّج اللي في معدتك أيًا كان إيه بشكل قسري ولا إرادي عن طريق الفم وأحيانًا عن طريق الأنف. فيه جزء في المخ بيكون مسئول عن القئ اسمه (the Area Postrema)، بتكون في أعصاب مختلفة مرتبطة بيه زي العصب القحفي الثامن (Cranial Nerve VIII) (اللي بيتعامل مع التوازن في الجسم)، والعصب القحفي العاشر (Cranial Nerve X) (اللي من ضمن الحاجات اللي بيعملها إنه بيتعامل مع قناتك الهضمية).
المركز المسئول عن القئ ده عنده مستقبلات للكيماويات في الجسم زي الدوبامين (مادة كيميائية تتفاعل في الدماغ لتؤثر على كثير من الأحاسيس والسلوكيات بما في ذلك الانتباه، والتوجيه وتحريك الجسم) والسيروتونين (مادة كيماوية بتشتغل ناقل عصبي وبتساهم في تحكم تحت المهاد – وده جزء في المخ – في الغدة النخامية) والمواد الأفيونية … إلخ.
إنت فاكر إن عصرة الضلوع والبطن اللي بتحصل لك دي وقت القئ دي بتبقى شئ عشوائي كدة؟ لأ، ده الجسم بيبدأ يحمي نفسه، يعني الرئتين بيبتدوا ياخدوا نفس عميق عشان يقللوا فرصة إن القئ يخش جواهم، وبيبتدي اللعاب يسيل عشان يحمي مينا الأسنان من التآكل بفعل أحماض المعدة.
بيبقى فيه ضغط على البطن وعضلاتها بتتقلّص، وعلى النقيض الضغط بيخف من على الصدر بحيث نتنفس في حين إن الحنجرة بتبقى مقفولة، واللي بترتفع عشان تفتح العضلة العاصرة للمرئ العليا، ودي العضلة اللي بتفصل بين المرئ والبلعوم. نتيجة التأثيرين دول محتويات المعدة بتطلع للمرئ ومنه للفم ومن الفم لبره الجسم.
النوروفيرس وماكنة الترجيع!
تعالوا نرجع بقى لموضوع مرض النوروفيروس والمكنة. المرض ده بيصيب ربع مليار من البشر ويقتل 200 ألف منهم، مع ذلك معظم الحالات بتشفى منه تمامًا خلال أيام قليلة، بس الأعراض مش لطيفة خالص: غثيان، قئ، إسهال، صداع، انخفاض درجة حرارة الجسم. النوروفيروس ممكن يعيش لحد 12 يوم في الملابس الملوثة، ولحد أسابيع على الأسطح الصلبة، ولشهور ويمكن سنين في المياه الراكدة الملوثة. وبينتشر عن طريق الميه الملوثة والأكل الملوث، والتعامل المباشر بين الناس، وعن طريق الهوا، ومن هنا بقى بييجي دور القئ.
يعني مثلًا لو فيه 126 شخص بياكلوا في مطعم فيه 6 ترابيزات، لو فرضنا إن فيه شخص مصاب بالنوروفيروس، ورجّع على الأرض، والعمّال نضفوا الدنيا كويس جدًا والناس كملوا أكل عادي.
جزيئات النوروفيروس هتكون سافرت عن طريق الهوا من القئ ده مع إنه اتنضّف. كام يوم بعدها و52 من 126 شخص اللي في المطعم هيصابوا بالمرض. معدل الإصابة بالنوروفيروس مرتبط بالمسافة من عند مكان القئ، يعني في نفس ترابيزة الراجل اللي رجّع ده كان فيه 90% اتعدوا، والترابيزة اللي جنبهم أتعدى منها 70%، وعلى الناحية التانية من المطعم، 25% جالهم المرض وهكذا.
دلوقتي في فريق من ولاية شمال كارولينا عملوا مكنة بتقلّد عملية القئ عشان يشوفوا إزاي بيساعد في انتشار الفيروسات. حمّلوا في المكنة فيروس غير مؤذي اسمه (Bacteriophage MS2).
في الجهاز ده مضخة يدوية بتضغطه، ومحتوى المكنة دي بيطلع من خلال صمامات. في القئ الحقيقي بيطلع من الإنسان حوالي 800 ملليمتر، منهم 50 لـ 200 مللليمتر هوا. الهوا بيساعد إن جزء من القئ يبقى زي أجزاء صغيرة أو رذاذ. عشان العلماء يقدروا يطلّعوا مادة تشبه القئ استخدموا مادة مصنعة تشبه اللعاب وبودنج فانيليا لزج وتقيل (آه والله بودنج. مش مقرف خالص أهوه).
المهم إنهم لقوا إن عدد الفيروسات اللي بتطلع من المكنة دي بتتراوح من 36 لـ13 ألف. عشان الواحد يُصاب بمرض زي النوروفيروس محتاج كام فيروس؟ 20 بس. فلك أن تتخيل حجم العدوى اللي ممكن تتنقل من القئ، عشان كدة الحمد لله إننا بنقرف منه، لإنه لو تم التعامل معاه ببساطة كده، كانت الأمراض انتشرت والبشرية مرضت أكتر ما هي مرضانة.
المصادر