الطب الشرعي ومكافحة الجريمة: المتهم برئ حتى يُثبت العلم إدانته
كتبت: مها طــه
في فترة من فترات حياتي قررت إني أتجه لدراسة “الطب الشرعي” بعد الكلية، ووقتها فوجئت بإن كتير من الناس حاصرين العمل في الطب الشرعي على الأطباء فقط، وفاكرين إن الطب الشرعي كله عبارة عن تشريح جثث، مع إنه في الحقيقة علم كبير ممكن الواحد يقضي عمره كله بيدرس فيه.
الطب الشرعي واحد من أكثر وأوضح الأمثلة اللي ممكن نتناقش فيها وإحنا بنتكلم عن رفض العلوم ، وفي محاولاتنا لمعرفة دور العلوم في حياتنا، وليه يا ترى العلوم مهمة أوي كده؟ وإيه هو أثرها المباشر على الحياة اليومية للشخص العادي، اللي من الوارد جدًا إنه يتعرض لجريمة يكون فيها الحل بين إيدين العلوم وبس.
دور الطب الشرعي في الكشف عن الجريمة
مع تطور مهنة المحاماة وزيادة الثغرات القانونية اللي ممكن الدفاع يبني عليها كلامه، ويخرج المتهم من القضية زي الشعرة من العجين، لأنه غالبًا بيعتمد على شهادة شهود ودي ممكن سهل جدًا التلاعب أو التشكيك فيها، ظهر دور العلوم عشان تبقى هي الحاكم الفاصل عن طريق علم الطب الشرعي، اللي بيقدر يقدم الدليل القاطع اللي لا يقبل التشكيك فيه تحت أي بند، ودي طبيعة العلوم.
علماء الطب الشرعي زي ما قولنا مش كلهم بيكونوا أطباء، لكن في منهم كيميائين الطب الشرعي واللي بيعلبوا دور حيوي وأساسي جدًا، واللي منهم على سبيل المثال بيكونوا كيميائي التحاليل الطبية، اللي بيشتغلوا على جمع العينات وتحليلها من موقع الحادث أو الجريمة. لذلك أنا أفضل تسمية العاملين بالطب الشرعي بلقب علماء الطب الشرعي بغض النظر عن كونهم أطباء أو كيميائيين، لأنهم في النهاية أحد أهم أدوات العدالة اللي بتستخدم العلوم في مهمتها.
علماء الطب الشرعي غالبًا هما أول حد بيوصل مسرح الجريمة وبيكون دورهم هو جمع كل المعلومات المتاحة، واللي على أساسها بيبدأ الربط بين الأدلة وتحليلها، عشان في النهاية يقدروا يربطوا ما بينهم بشكل عملي يسمح بتصور كامل عن الجريمة، وهنا هنقسم الأدلة دي لأنواع مختلفة.
-
الدليل المادي:
بعد وقوع الجريمة المحققين التابعيين للطب الشرعيبيكون دورهم هو جمع كل الأدلة الممكنة من موقع الجريمة، عشان يتم تحليلها بعدها بواسطة علماء الطب الشرعي. الأدلة دي ممكن تكون عينات من الشعر، الأقمشة، الزجاج، الدم، اللعاب، السائل المنوي، وغيره كتير. كل المعلومات دي بيتم تحليلها اعتمادًا على طبيعتها، يعني مثلًا بصمات الأصابع بيتم تحليلها من قبل الكيميائيين الشرعيين.
بصمات الأصابع بدأ استخدامها في التعرف على المجرمين من 1891، اعتمادًا على فكرة واحدة، وهي إن لكل شخص بصمات أصابع مختلفة عن الآخرين، وده طبعًا بيسهل جدًا من معرفة المجرم بمجرد مطابقة بصماته بالموجودة في مسرح الجريمة، وغالبًأ بتكون نسبة ثبوت الجريمة في الحالة دي على الشخص كبيرة جدًا.
-
الأدلة النفسية:
في بعض الحالات، علماء الطب الشرعي بيكون فيهم جزء متخصص في الطب النفسي، ودول غالبًا بيكون دورهم إضافة بُعد آخر في المجرمين عشان يسهلوا التعرف عليهم، وبيكون دورهم هو رصد السلوكيات المتعلقة بالجريمة، زي مثلًا مدى العنف المُستخدم فيها، أو استهداف نوع معين من الناس بالجريمة دي وحاجات تانية كتير، بيكون الهدف منها هو تحديد فئة عمرية محتملة للمجرم وأحيانًا كمان الحالة الاجتماعية أو النوع المحتمل.
-
الأدلة اللفظية:
ودي غالبًا بتعتمد على سؤال الشهود أو الضحايا أو حتى المشتبه فيهم لحظة وقوع الجريمة، وعلى الرغم من إن الأدلة اللفظية ممكن تحمل كتير من اللخبطة والاضطراب والتضارب إلا إنها مفيدة جدًا في حالة مطابقتها بالأدلة المادية اللي تم جمعها، لأنها ممكن تدل على حاجة مهمة في مسار التحقيق.
إعادة بناء الجريمة
العلوم المستخدمة في الطب الشرعي ممكن توفر للمحققين معلومات عن كيفية ارتكاب الجريمة بما في ذلك الأسلحة المستخدمة، ووقت ومكان وقوع الجريمة بناءًا على تحليل الأدلة المادية والوضع التشريحي للجثث –إن وجدت-.
مثلًا ممكن تحديد نوع البندقية المستخدمة في الجريمة من فارغ الطلقة، ويقدر الطبيب الشرعي يتعرف نوع الطعنات مثلًا وهل هي واحدة ولا متكررة من شكل وتشريح الجسم وهكذا. ده غير إمكانية التعرف على توقيت الوفاة مثلًا من خلال النشاط البكتيري في الجثة دي.
-
تحديد المشتبه بهم:
الأدلة اللي بيجمعها علماء الطب الشرعي ممكن تساعد في تحديد المجرمين، لأن الأدلة اللي بتكشف عن الجرائم زي ما بتستخدم لتحديد المجرم، فهي كمان ممكن يتم ضمها للسجل الخاص بالمجرم، ويتم تضمينها في قاعدة بيانات تحمل الحمض النووي للشخص وتاريخه الإجرامي وكل شئ عنه، وده بالطبع بيسهل جدًا من العثور على الشخص في حالة ارتكابه لجريمة تانية.
ومن هنا ممكن نعرف مدى أهمية تحليل الحمض النووي، اللي بيعتبر تطور لفكرة بصمات الأصابع، وقايم على نفس الفكرة، إن أي شخص مهما كانت درجة قرابته بغيره، لازم تكون نسخة الحمض النووي بتاعه مختلفة وفريدة من نوعها.
والحقيقة إن ده ساعد في الكشف عن كتير من الجرايم، بمجرد تحليل الشعرة أو بقعة الدم أو السائل المنوي لشخص ما، فإنت ممكن توصل لصفات الشخص الجينية، وتقارنها بالبيانات الموجودة عندك. صحيح ده لسة مش موجود في مصر لحد دلوقتي، لكن أكيد يومًا ما هيوصل يعني.
في النهاية، مش بس الطب الشرعي اللي ممكن يفيد في مجال التعرف على الجرائم ومكافحتها، بالعكس إحنا نقدر حاليًا نستخدم التكنولوجيا بكل مجالاتها زي الذكاء الاصطناعي اللي بيتطور بشدة وحاليًا بدأ استخدامه بالفعل في الشرطة زي نموذج شرطة دبي. وكمان زي تقنيات الـGPS اللي ممكن بسهولة استخدامها لمراقبة وتعقب المجرمين وتحديد أماكنهم.
لكن من وجهة نظري يظل الطب الشرعي هو الممثل الأفضل للعلوم في مواجهة الجريمة، واللي بتطوره بتتطور قدرتنا على مكافحة الجرائم والتعرُف على مرتكبيها، ومن حُسن حظنا إن كل ما الجريمة بتتطور كمان العلم بيتطور عشان يواكبها وأحيانًا يفوقها.