أمراض المناعة الذاتية: لما يعلن جهازك المناعي تمرده عليك!
كتبت: مها طـه
بقى لِك فترة حاسة بالتهاب في المفاصل، بتعاني من الإكزيما والصداع، ده غير شعورِك بانخفاض الطاقة وإنك مش قادرة تعملي حاجة، وأحيانًا مشاكل في الجهاز الهضمي؟
لو بتحسي بكل الأعراض دي أو حتى ببعضها بس من غير ما يكون في سبب مباشر ليها، وبتتعاملي معاها إنها مجرد إجهاد أو حالات عارضة ومزعجة، لكنها لا تستدعي القلق، أحب أقولِك إنها للأسف ممكن تكون مجرد مؤشرات لخطر أكبر وهو أمراض المناعة الذاتية!
أمراض المناعة الذاتية .. خطر غير ملحوظ
لو الأعراض دي فعلًا عارضة أو ليها سبب مباشر، يبقى مفيش أي مشكلة لكن كونها مزمنة أو شبه مزمنة، هنا بقى نبدأ ناخد بالنا كويس من الكلام اللي جاي ده.
الأعراض دي ممكن تكون دليل على وجود مشاكل صحية حقيقية. فوفقًا لـ”روبن بيرزين“، مؤسِسة مركز بارسيلي للصحة، كل الأعراض دي قد تكون من العلامات المبكرة للإصابة بأمراض المناعة الذاتية.
أمراض المناعة الذاتية: هي مجموعة من الأمراض الخاصة بالمناعة واللي فيها الجهاز المناعي بيبدأ يهاجم الجسم نفسه، عدد الأمراض دي بدأ يزيد في الفترة الأخيرة بشكل كبير وخصوصًا في السيدات، وفقًا للمعهد الوطني للحساسية والأمراض المُعدية، فحوالي 80% من المصابين بأمراض المناعة الذاتية بيكونوا سيدات.
”روبن بيرزين“ عندها عيادات طبية تكاملية في نيويورك ولوس أنجلوس، وده اللي خلاها تقول إن المرضى اللي بيعانوا من أمراض المناعة الذاتية بدأ عددهم يزيد في الفترة الأخيرة بشكل ملحوظ ويُنذر بالخطر، وده معناه إن الجهاز المناعي لكتير من الناس بدأ يبقى غير منتظم في عمله، يعني مثلًا الفترة الأخيرة شهدت ارتفاع في كتير من أمراض المناعة الذاتية زي التهاب القولون التقرُحي ومرض كرون (أحد أمراض الأمعاء الالتهابية).
أمراض المناعة الذاتية مصطلح بيُستخدم في حالة وجود خلل ما في الجهاز المناعي بيخليه بدل ما يهاجم أي غزو ميكروبي أو غيره جاي من خارج الجسم، يهاجم الجسم نفسه من جوا، يعني مثلًا أحد أشهر أمراض المناعة الذاتية وهو التهاب المفاصل الروماتويدي (الروماتويد)، هو مرض بيحصل نتيجة لمهاجمة الأجسام المضادة المناعية للمفاصل، مما يؤدي إلى تطور الألم والتورم والمعاناة من المرض.
كمان مرض ”هاشيموتو“ وده حالة مرضية مُتعلقة بالغدة الدرقية، واللي عادةً بيتسبب في الشعور بالتعب والاكتئاب وزيادة الوزن وأعراض تانية كمان، وفي حالات زي مرض القولون التقرُحي ومرض كرون، بينتُج عنها التهاب شديد في الأمعاء.
نقص التوعية الصحية بأمراض المناعة الذاتية وخطورتها على الصحة العامة، هو اللي ممكن يخلينا مش عارفين عنها أو مستغربين اسمها، في حين إننا نعرف أمراض كتير بتندرج تحت بند أمراض المناعة الذاتية. يكفي نقول إنه مفيش عندنا إحصاء واضح بعدد المصابين بأمراض المناعة الذاتية.
ليه أجسامنا ممكن تهاجمنا؟
وليه الستات هما الأكثر تأثرًا بالأمراض دي؟
في الحقيقة ولو بدأنا بالسؤال الأخير، فللأسف الأرقام والإحصائيات هي اللي بتقول إن الستات أكثر تأثرًا، لكن العلاقة بين السيدات والإصابة لحد دلوقتي مش مفهومة بشكل كبير. في بعض الأبحاث بتُشير إلى إن الهرمونات هي المسئولة، حيث أن هرمون الأستروجين والأندروجين _هرمونات أنوثة_ بترتبط بالمُستقبلات الموجودة على الخلايا المناعية، لكن برضة ده مش كافي عشان نفهم طبيعة التفاعل اللي بيؤدي في النهاية لحدوث الخلل.
كمان لازم نقول إن في أبحاث أثبتت إن في بعض البشر بيتولدوا في الأساس مستعدين للإصابة بأمراض المناعة الذاتية، لكن ده برضة جزء صغير من الموضوع، الجينات مش هي اللي بتتسبب في المرض، لكنها بس بتخلي احتمالية الإصابة بيه أعلى، وعشان كدة إحنا المفروض مانبصش للجينات فقط لكن كمان نبص للعوامل المؤثرة على الجينات (اللي بتخليها تعبر عن نفسها).
5 دوافع أساسية لأمراض المناعة الذاتية
أول ما نتكلم عن العوامل الخارجية المؤثرة في الصحة، لازم نتكلم عن البيئة المحيطة وأسلوب الحياة نفسها، لأن دول أكتر حاجتين ممكن يأثروا في عمل الجينات. في 5 نظريات رئيسية بيفسروا الخلل اللي بيحصل في الجهاز المناعي، ويخليه يعلن التمرد على أجسامنا:
-
نظرية النظافة – hygiene theory:
دي واحدة من أشهر كلاسيكيات تفسير أمراض المناعة الذاتية، واللي بتقول إنه في ظل عالم حاليًا بيحارب الميكروبات والجراثيم بكل ما أوتي من قوة، لدرجة إن كل حاجة حوالينا بقت خالية من الجراثيم، أو بتقضي على 99.9% من الجراثيم، الجهاز المناعي بقى مش قادر يستوعب الكلام ده.
اعرف أكتر| المنظفات: البحث عن الـ 0.01% جرثومة الناجية من الموت!
هو مصمم في الأساس عشان يدافع عن الجسم ويشتغل في المحاربة والمقاومة، بس فجأة بيلاقي نفسه مالوش لازمة، وبالتالي بيبدأ يشتغل على الجسم نفسه. تخيل إن عندك جيش مُسلح ومُدرب وفجأة إنت وقعت اتفاقية سلام وبقى الجيش ده مالوش لازمة، طبيعي تلاقيه بعد فترة اتحول لممارسة البلطجة على الأفراد بدلًا من الأعداء.
-
نظرية الميكروبيوم – microbiome theory:
الميكروبيوم هو أنواع الميكروبات والبكتريا اللي بتعيش في أجزاء الجسم المختلفة، والمثال الأشهر عليها هي البكتيريا اللي بتعيش في الأمعاء، الأنواع المختلفة دي بتؤثر تأثير قوي ومباشر على الجهاز المناعي، لإنها بتحفزه على العمل بصورة جيدة ومحاربة الجراثيم والميكروبات المُضرة بالجسم.
للأسف حاليًا إحنا كبشر بنحارب الميكروبيوم الخاصة بينا عن طريق ”بلبعة“ المضادات الحيوية طول الوقت ولأي سبب مهما كان، ده غير الاستعمال المُفرط للمُسكنات القوية وأنواع تانية كتير من الأدوية اللي بنتعامل معاها زي البونبوني، من غير ما نفكر في إنها بتغير من الطبيعية الكيميائية والحيوية للجسم.
اعرف أكتر| الميكروبيوم “أنا بابا يالاه!”
أحد أهم الأسباب كمان في إفساد البيئة الميكروبية في الجسم، هي نوعيات الأكل اللي بنعتمد عليها، كل ما زاد الأكل المُصنّع والمُكرر اللي بيحتوي على سكريات عالية ودهون مشبعة، كل ما بيزيد التشوه في البيئة الميكروبية اللي مع الوقت بتتحول من من مُفيدة لمُضرة.
-
متلازمة الأمعاء الراشحة – leaky gut syndrome:
بمناسبة الكلام عن أنواع الأكل الجيدة والسيئة، هنلاقي إن السبب التالت للإصابة بأمراض المناعة الذاتية هو متلازمة الأمعاء الراشحة واللي بتتسبب فيها نوعيات الأكل الخاطئة وتغيُر البيئة الميكروبية للأمعاء.
الخلايا المُبطِنة للأمعاء بتكون عبارة عن صف واحد من الخلايا، وبالتالي سُمكها مش كبير. حوالي 70% من جهازك المناعي موجود تحت الخلايا المبطنة للأمعاء على طول، في حالة حدوث تلف في الخلايا دي أو في الخلايا اللي بتربطها ببعضها حتى، بتُصبح الطبقى دي مسامية، ودي الحالة اللي بتتسمى بارتشاح الأمعاء.
ارتشاح الأمعاء معناه إن الجهاز المناعي فجأة بقى مكشوف، بيتعرض فجأة لكل حاجة سواء أكل أو أدوية أو أي حاجة بيتناولها المُصاب، وبالتالي ده بيخلي الجسم يعاني من أنواع مختلفة من الحساسية مكنش بيعاني منها قبل كدة، ومن المعروف طبعًا إن الحساسية هي أحد أمراض المناعة الذاتية.
-
نقص فيتامين (د):
مؤخرًا ظهرت أدلة بيولوجية قوية بتُشير لوجود علاقة بين فيتامين D والحماية من أمراض المناعة الذاتية وبعض أنواع السرطان، وبالتالي فالأدلة الجينية حاليًا بتدعم فكرة وجود علاقة بين الإصابة بأمراض المناعة الذاتية ونقص فيتامين (د)، وده لأن الفيتامين بيتفاعل مع جينات مُعينة ليها علاقة بالإصابة ببعض أنواع أمراض المناعة الذاتية.
-
هرمون التوتر:
أخيرًا يأتي سيد الموقف دائمًا وأبدًا، هرمون التوتر اللي بيلعب في دماغك وفي جسمك كل أنواع اللعب التي يُمكن أن تتخيلها، هرمون الكورتيزول بيحفز تحوّر شكل الخلايا المناعية وبالتالي تحفيز الإصابة بأمراض المناعة الذاتية.
اعرف أكتر| التوتر فيه سمٌ قاتل!
نص الكوباية المليان
طبعًا كل الكلام اللي قولناه ده يُعتبر مُفزِع، لكن الحقيقة مش هيكون في داعي لللفزع مع الاكتشاف المُبكر لأمراض المناعة الذاتية واللي ممكن يخلينا نعالجها من غير حتى ما نلجأ للأدوية وهو ما سيتم عن طريق الطب الوظيفي.
في الطب الوظيفي بيتم تعليم الناس كيفية التأمُل والتعامل مع التوتر والقلق بالشكل السليم بحيث مايكونش مؤثر على الصحة العامة، ده بالإضافة للاهتمام بنوعيات الأكل، زي الابتعاد مثلًا عن الأطعمة المؤدية لوجود الحساسية، زي السكر والألبان والجلوتين، فضلًا عن تعليم الحفاظ على البيئة الميكروبية للأمعاء صحية بانتقاء انواع الاطعمة، وعلاج متلازمة ارتشاح الأمعاء قبل تطورها.
المشكلة الحقيقية في أمراض المناعة الذاتية هو إنها غالبًا مش بتتشخص في الوقت الصح، وبالتالي بنتجاوز المراحل المبكرة ليها والمرض بيتطور وبيتعرف في مراحل تانية ممكن تكون صعبة ومحتاجة أدوية وعلاجات كتيرة. في أوقات كتير بيتم تشخيص الأعراض اللي قولناها في الأول على إنها اكتئاب أو إنك بس مضغوط ومحتاج تفك شوية وخلاص، وهكذا حاجات تانية كتير.
نقدر نقول في الآخر، إنك لو حاسس بأي حاجة مش طبيعية في جسمك، بلاش تتجاهل الأحاسيس دي، روح لدكتور ولو حاسس إنك مش مرتاح برضه روح لغيره وغيرهم، لحد ما تقدر تتأكد من نوع اللي بتعاني منه، وده قبل ما توصل لمرحلة تعاني فيها من أمراض بيهاجم فيها جهازك المناعي جسمك، وبيعلن تمرده عليك وعلى وظيفته في الأصل وهي حمايتك.
المصادر: webmd healthline medlineplus wellandgood ncbi niaid