.
نوّرها

الأرغوت الآتي في حقيبة سفر القمح المستورد

كتبت – يارا كمال

في الأيام اللي فاتت اتنشر خبر في ”الأهرام الزراعي“ بيقول إن وزارة التموين المصرية وافقت على دخول شحنات قمح مستورد فيها فطر طفيلي اسمه الأرغوت بنسبة 0.05%، مع إن إدارة الحجر الزراعي كانت رفضت الشحنة دي للسبب ده بالفعل. وقال الدكتور خيري عبد المقصود، أستاذ أمراض النبات بكلية الزراعة جامعة القاهرة، إن الأرغوت المصاب بيه القمح ممكن يسبب السرطان على المدى البعيد، وكمان الإجهاض، كما إنه بيؤثر على الكبد في حالة تناوله بشكل مستمر.

عن الأرغوت..

خلينا نتعرف أكتر على فطر ”الأرغوت“ اللي عامل لنا توتر ده وربنا يسترها علينا بقى، بس نبقى على الأقل عارفين إيه المشكلة وإيه اللي هيحصل. مرض الأرغوت ده هو مرض بيصيب الحبوب بشكل عام، ولو إنه مرتبط أكتر بحبوب الجاودار حتى في اسمه. المرض بيصيب النباتات، وبيأذي الإنسان والحيوان لو أكلوا النبات المصاب بالمرض ده. الفطر اللي بيسبب المرض ده اسمه ”الدبوسية الفرفرية“ أو (Claviceps purpurea).

الأرغوت نفسه عبارة عن حاجة غامقة مدّية على لون بنفسجي كده اسمها الأصلوبة أو (sclerotium)، ودي عبارة عن أفطورة الفطر (Mycelium)، الجزء اللي مسئولة عن التكاثر فيه، بس دي بتكون صلبة وبتحتفظ بالأكل لحد ما تيجي الفرصة إنها تكبر. الأصلوبة دي بتحل محل الحبوب في النبات عشان تبدأ التكاثر، وتبدأ دورة الحياة بعد المرور بفصل الشتاء. أصلًا الناس فضلوا يتعاملوا مع الأرغوت على إنه جزء من نبات الجاودار لحد الخمسينات من القرن الـ19.

لما الفطر بيوصل لمرحلة إنه يكوّن الأرغوت، ساعتها بيكون محتوي على مركبات مختلفة منها المفيد اللي بيستخدم كعقاقير دوائية، ومنها اللي بيُعتبر سموم فطرية واللي ممكن تموّت لو حد أخدها، ونسب المركبات دي بتختلف من نوع لنوع، لإن فيه حوالي 35 نوع من الفطر اللي بيسبب الأرغوت، عشان كدة لو حد خد المواد السامة دي هيصاب بأعراض مختلفة من مرة  للتانية.

الأرغوت ما له وما عليه

فيه مرض بيسببه تناول الحبوب مصابة بالأرغوت اسمه ”التسمم الأرغوني“ وده ليه نوعين: التسمم الأرغوني التشنجي والتسمم الأرغوني الغرغريني.

التسمم الأرغوني التشنجي، ده بيعمل خلل وظيفي في الجهاز العصبي، وبيخلي المصاب بالمرض بيتلوي في ألم، ده مش تعبير مجازي ده بجد بيتلوّى، وبيترعش، وبيصاب بمرض “الصعر” وده عبارة مرض بيسبب التواء في الرقبة، وأحيانًا الأعراض دي بيبقى معاها تشنجات في العضلات وهلاوس.

أما التسمم الأرغوني الغرغريني، ده بيسبب فقدان أجزاء من الأطراف زي صوابع الإيدين والرجلين وحلمة الودن، وممكن الموضوع يتطور لفقدان الرجلين والدراعات كمان، وده بيكون نتيجة الغرغرينا اللي بتضيّق الأوعية الدموية (تخليها تتقلّص) اللي بتوصل الدم للأطراف، ولما الإصابة بتوصل للأطراف بيصاحبها ألم بيحرق، ومادام العضو اتصاب، يبقى لازم يتقطع، عشان الإصابة ماتمتدش لباقي الطرف. النوع ده من التسمم الأرغوني منتشر بين الحيوانات اللي بتُرعى في المزارع.

على الجانب الآخر من الأرغوت، فالأرغوت بيطلع منه عقار هلوسة اسمه (Lysergic Acid Diethylamide) (LSD)، وده بيُستخدم في علاج بعض الاضطرابات النفسية، ولو إنه اتمنع نتيجة سوء استخدامه. كمان بيطلع منه أدوية بتعمل طلق صناعي، وبتسيطر على النزيف بعد الولادة زي الـ(Ergonovine)، إلى جانب عقار اسمه (Ergotamine)، وده بيعالج أسباب الصداع المختلفة زي الصداع النصفي. طبعًا إحنا مقدرين الفوايد العظيمة اللي بتستخرج من الأرغوت بس ده لا يعني إننا ناكل حبوب مصابة بيه.

الأرغوت .. كان يا مكان

في سنة 1951، كان فيه دكتور اسمه ”جان فيو“ في فرنسا، لقى حالتين مرضيتين بيعانوا  من ألم شديد في بطنهم من تحت، فافتكر إن دي حالات التهاب حاد في الزايدة الدودية، بس لقى كمان إن المرضى دول درجة حرارة جسمهم منخفضة، وأطراف صوابعهم باردة، وعندهم هلاوس ودي مش من أعراض الزايدة الدودية. ابتدى دكتور جان يناقش زمايله في الحالات دي، بس في ظرف يومين كانت مستشفى المدينة اتملت بمرضى عندهم نفس الأعراض. في المستشفى، ربطوا بعض المرضى في سرايرهم، لإنهم هربوا وقعدوا يجروا في الشوارع وهما في حالة هياج شديدة. اللي رعب الناس وقتها إن فيه طفل عنده 11 سنة حاول يخنق أمه. المهم، الأطباء حاولوا يكتشفوا سبب الأعراض دي وعرفوا إن سببها نوع من التسمم الغذائي، لإن الشئ المشترك ما بين كل المرضى كان إنهم كلوا عيش من عند نفس الخبّاز. لما أخدوا عينات العيش ده، لقوا إن فيه حوالي 20 سم قلوي. وعرفوا إن السموم دي جاية من أرغوت الجاودار وإن فيه مزارع هو اللي طحن الحبوب المصابة دي مع قمح وباعه للخبّاز.


المصادر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى