.
ليه وإزاي؟

طرق تعليمية جديدة لتدريس المناهج بحثًا عن الإثارة ودرءًا للملل!

كتب: أحمد حسين

فيلم الناظر للجميل علاء ولي الدين من أحسن الأفلام اللي تم إنتاجها في تاريخ مصر عمومًا. فيلم فيه كمية مشاهد وإفيهات ممكن نفضل نحكي عنها للصبح، لكن بيحضرني منها حاليًا، مشهد ميس انشراح  العظيم لما كانت بتشرح في الفصل وماسكة ساندوتش مكرونة في عيش بلدي وبتقول لواحد من العيال المرصوصين قدامها ”فهمت ولا مركز في الساندوتش اللي في إيدي“.

ميس انشراح كانت نموذج للمدرس اللي ينطبق عليه لفظ ”حافظ مش فاهم“، هي شايفه إن دماغ العيال دي مجرد وعاء ممكن تحشي فيه شوية كلام وخلاص. على الرغم من إنها حاولت على الأقل تعرفهم يعني إيه ”Brown“ وإنه شبه اللون اللي هي لابساه، أينعم قالت له إنها بالـB الخفيفة شبه الفيونكة اللي مش لابساها، بس المهم يعني إن الطلبة حفظوا وخلاص!

hqdefault (1)

نيجي بقى لنموذج تاني من المدرسات، ميس ”مرفت“ من فيلم عسل أسود. أهي ميس مرفت دي بقى عندها تقريبًا كل المقومات الشكلية المناسبة للمدرس: شكل لطيف، لبس مهندم، وطريقة تعامل جيدة إلى حد ما مع الطلبة لكنها تفتقد لأهم المقومات التعليمية، بمعنى إنها مابتعرفش أساسًا تنطق الكلمات بالنطق الصحيح، ونقلت العدوى تقريبًا لكل المدرسة اللي بقت بتنطق غلط زيها.

النموذج التالت عندنا هو نموذج المدرس اللي مايفرقش معاه الطلبة يفهموا صح أو غلط، أو يحفظوا ولا مايحفظوش، كل دي شكليات مالهاش لازمة، المهم إن الكراسات متسطرة بشكل معين والكشاكيل تكون متجلّدة كلها باللون الفلاني، والأهم إنه لما موجّه الوزارة لما يجي يلاقي كل حاجة مظبوطة تمام، وده نموذج ميس ”محبّات“ اللي ظهرت في فيلم لامؤاخذة.

الكلام ده لا يعني _بشكل مباشر أو غير مباشر_ إن المدرس هو السبب في خراب المؤسسة التعليمية، المدرس ما هو إلا جزء من هيكل تعليمي بالكامل مش مهتم بإن الطالب يفهم بقدر ما هو مهتم إن السنة الدراسية تمشي من غير قلق أ مشاكل ونسبة رسوب عدد كبير من الطلبة، فكون الطالب يفهم بقى أو يحفظ أو الأسوأ إنه يفهم أو يحفظ غلط من الأساس مش هتفرق كتير في الأخر!

انسف طرق تعليمك القديمة كلها وابني على نضيف!

طيب، إيه اللي مطلوب عمله من المدرس في الفصل؟ مع العلم إنه المدرس ده بيكون ملتزم بمنهج مفروض عليه، ومش كده وبس، لأ ده كمان مفروض عليه يخلصه في وقت محدد قليل جدًا بالنظر للمحتوى، لدرجة إن المدارس أصبحت بيقللوا من عدد حصص الألعاب والموسيقى والرسم والأنشطة بشكل عام، في سبيل زيادة حصص العربي والعلوم والرياضيات وغيرها من المواد، وده بيؤدي في النهاية لكره الطلبة والمدرسين قبلهم أصلًا للمدرسة والمناهج والتعليم بشكل عام.

يمكن الحل كله يتلخص في الخروج من القالب اللي إحنا فارضينه على نفسنا كمؤسسة تعليمية واللي بينساق وراها بالتبيعة المدرس والأب والأم. ماينفعش تبقى الدنيا بتمشي بسرعة في كل النواحي الحياتية ومؤسسة التعليم على وضعها، بالبحث لقينا طرق جديدة ولطيفة لتدريس المناهج للطلبة ولتعليمهم مهارات هتفيدهم بعدين في حياتهم والأهم إنها سهلة التطبيق عندنا مش محتاجة لا ميزانية ضخمة ولا موارد مش هنلاحق عليها، كل اللي محتاجاه أفق وسع ومساحة للتجريب والتقييم، هنا هنعرض بعض من الطرق دي وممكن تدخلوا بنفسكم تدوروا لو حبيتوا تعرفوا تفاصيل أكتر.

1. (Process Oriented Guided Inquiry Lessons (POGIL

الـ”(Process Oriented Guided Inquiry Lessons (POGIL” طريقة جديدة للتعليم مفيدة وفعّالة، الأمر وما فيه بس إنها محتاجة شغل أكبر من المدرس في الفصل. الطريقة دي بتعتمد على إن المدرس يحاول يربط محتوى المنهج بتجارب/خبرات شخصية للطالب نفسه.

فايدتها إيه بقى؟ لما المدرس بيحاول يربط المنهج بأحداث أو تجارب شخصية للطالب، مخ الطالب بيبدأ يركز أكتر والمعلومة بتثبت أكتر في دماغه، لأنه بيخلق رابط بين اللي بيتلقاه من معلومات وحياته الشخصية والواقع اللي بيعيش فيه، بدون ما يكون المحتوى ملل هو مش فاهم إيه وجه الاستفادة منه بالأساس، وبالتالي المعلومة بيكون سهل إنه يحتفظ بيها في الجزء المخصص بالذاكرة طويلة المدى في المخ.

الامتحان وفقا للنظام ده بيكون عبارة عن ورقة مكتوب فيها قطعة نثرية، القطعة دي بيكون عليها مجموعة أسئلة الطلبة مش هيقدروا يجاوبوا عليها غير لما يفهموا القطعة دي. في نفس الوقت، المدرس هيبقى بيسألهم أسئلة تخليهم يشغلوا دماغهم ويفكروا بشكل أعمق في القطعة دي علشان يوصلوا للحل، كل ده طبعًا بيعتمد على فهم كل طالب وخبراته السابقة في التعليم والقراءة وغيره، يعني من الأخر كل واحد غالبًا هيفهم القطعة حسب فهمه هو الشخصي، والاجابات هتكون برضه في النطاق ده.

عارفين الكلام ده مهم جدًا ليه؟ مهم لإن الطلبة اللي حضروا التعليم بالطريقة دي قالوا إن شغفهم بالتعليم زاد أكتر وحبوا المادة وطريقة التدريس وده زوّد عندهم الحافز الأساسي في إنهم يحضروا حصص لنفس الكورس أو المادة دي تاني ويفهموا أكتر. ويمكن دي أكتر حاجة إحنا مفتقدينها.. الشغف.

2. الـHip-Hop Education

الـHip-Hop Education طريقة أخرى للتعليم واللي ممكن ينطبق عليها فعلًا مصطلح الـfun Education. زي ما واضح من الاسم، التركيز بيكون على التعليم عن طريق الغنا، إزاي بقى؟ المدرسين بيشرحوا الدروس للطلبة، ويشجعوا الطلبة إنهم يطلّعوا من الدروس دي كلمات أغاني يغنوها، وده يخلي الطلبة عندهم شغف إنهم يفهموا كويس وكمان يبدعوا في تقديم حاجة تشرح اللي فهموه.

في المقابل، من فترة ظهرت عند بعض المدرسين موضة التعليم عن طريق الغنا برضه، بس مش هيب هوب بقى، لأ مهرجانات! أنا بشكل شخصي يعني ماعنديش أزمة مع المهرجانات، لكن عندي أزمة في إنها تكون في النهاية وسيلة للتحفيظ برضه، يعني الفيديو اللي انتشر لمدرس بيدرّس للطلبة مادة ”فلسفة ومنطق“ في سنتر تعليمي، مشكلت معاه إنه كان بيلقنهم المنهج بالغنا، بيرددوا وراه زي البغبغانات وهما مش فاهمين، أه هو ثبت المعلومة بشكل أو آخر، بس المعلومة فعليًا مالهاش أي قيمة عندهم غير شوية درجات هياخدعها لما يمتحن. وعليه ده كان الفرق بين الطريقتين، الفرق اللي نفسنا نوصل له.

3. الـ(Project Based Learning (PBL

الـ”(Project Based Learning (PBL“، الطريقة دي بتقول إنهم يعملوا مجموعات من الطلبة، يشتبكوا مع مشاكل وتحديات حقيقية تخص المجتمع بشكل عام ولو لنفرض مثلًا التغير المناخي أو أزمة المياه في العالم أو انقراض حيوان معين، ويحاولوا يبحثوا ويتناقشوا ويطرحوا حلول بنفسهم ويعرفوا مدى إمكانية تطبيق الحل ده. الطريقة دي مش بس بتزوّد شغفهم بالبحث والتعلّم، لكنها كمان بتخلي الطلبة أكثر دراية بالواقع والعالم اللي حواليهم، وده بيدربهم على إنهم يواجهوا الواقع ده بتفكير سليم.

في طرق تانية سهل تنفيذها لتحفيز الطلبة أكتر على إنهم يفهموا، الطريقة الأولى ”معلم الأسبوع – Teacher of the week“، وفيها المدرس بيختار أحد الطلاب أو اتنين منهم كل أسبوع يشرح للطلبة اللي في الفصل بطريقته. الطريقة دي فعلًا من أكتر الطرق اللي بتدعم ثقة الأولاد في نفسهم، وبتقوّي عندهم من مهارات التواصل، وإحساسهم إنهم قادرين على توصيل المعلومة بمساحة حرية تسمح لهم باستخدام الطريقة اللي شايفينها أنسب.

الطريقة التانية هي ”الموضوع الرئيسي للشهر – Theme of the month“ هي إختيار فكرة رئيسية للشهر، يعني مثلًا الشهر ده هنختار الفكرة تكون موسم الربيع مثلًا، ونعمل أبحاث عن كل ما يرتبط بيه، معلومات وأنشطة وكل شيء، وده هيحفز الطلبة جدًا إنهم يفكروا ويبتكروا، والإهم إنه أكيد هيكسر أي حالة من الملل والرتابة وهيحفز روح تنافس إيجابية جوه كل طالب.

أغلب الطرق دي طبعًا بتعتمد إلى حد كبير على إن المدرس يكون عارف كويس خلفية الطلبة الاجتماعية والنفسية لأن مش صحيح تربويًا إن كل الطلبة يتم معاملتهم بنفس الطريقة على المستويات الشخصية، لازم المدرس يبقى عارف يعامل كل واحد إزاي حسب خلفيته. ده هيساعده هو نفسه أكتر على توصيل المعلومة بشكل أفضل، وهيساعدهم هما كمان إنه يستوعبوا ويفهموا المعلومات كويس.

وده بياخدنا لنقطة إن المدرس لازم يكون مؤهل ومؤسس في المقام الأول كويس جدًا علشان يقدر يحقق ده بالفعل. طب ده ممكن يحصل إزاي؟ ببساطة ده ممكن يحصل بنفس الطرقة اللي حصل بيها في فنلندا.

المدرس.. الترس الأهم في المنظومة

hqdefault (2)

فنلندا بالنسبة لنا كانت عبارة عن بلد بتعمل موبايلات نوكيا مش أكتر، لكن كلنا تقريبًا مانعرفش إنها بتمتلك نظام تعليم من أحسن 10 أنظمة تعليم في العالم (ترتيبه رقم 5 تحديدًا). إيه اللي وصل فنلندا للنطقة دي؟ أول حاجة إنهم اهتموا بالمناهج فعلًا مش مجرد إجراء عمليات حذف وإضافة، تاني حاجة اهتموا بإعداد المدرس بشكل كبير جدًا باعتباره أهم ترس في العملية التعليمية.

فنلندا عملت نظام خاص لتدريب المدرسين واختبارهم، يعني هما ماكتفوش بتعليم المدرسين في الجامعة فقط، لأ دول دربوهم على طرق التعليم الجديدة، وبعد كده اختبروا جودة تعليمهم وإلى مدى بيقدروا على توصيل المعلومة. طبعًا في الوقت ده تحولت مهنة التدريس لأحد أهم المهن في فنلندا، مش بس لقيمة المرتب اللي زاد بشكل تراكمي في الـ15 سنة اللي جم بعد المشروع، لكن كمان لأن قيمة المدرس نفسها زادت، وده خلى المهنة دي مش مجرد مهنة بمرتب عالي وبس، لكنها تحولت لمهنة مرموقة جدًا كمان.

الكلام ده مش صعب ومش مستحيل تطبيقه، وممكن كمان ندمجه بالنموذج الصيني. النموذج الصيني بقى ماهتمش بالمدرس وبس بقى، لأ ده اهتم إن المدرس الكويس ده يكون موجود في المدارس الحكومية قبل المدارس الخاصة، بمعنى إيه؟ بمعنى إن الصين حاربت النخبوية ووزعت المدرسين على المدارس كلها سواء حكومية أو خاصة بشكل عادل جدًا ويضمن إن جودة التعليم تعلى مع التوزيعة دي.

الصين لوقت قريب على فكرة كانت بتعاني اقتصاديًا من مشاكل كتير، لكنها في النهاية قدرت تخطط وتنفذ مشاريع قريبة ومتماشية بالنظر لحالتها الاقتصادية. لذلك قدرت توفّق ما بين مواردها وتحدد المطلوب بالظبط وتنفذه، وده اللي خلاها تحتل مرتبة عالية بين الدول المتقدمة في مجال التعليم لدرجة إن ”بي بي سي“ وصفتها بإنها أذكى دولة في العالم. أذكى مش أغنى ولا الأكثر موارد أو غيره ، أذكى وده بيفكرنا بالحكمة اللي بتقول ما تبذل مجهود أكبر، فكر بذكاء أكتر.

الخلاصة

حابب أقول إنه في دور برضه من الأب والأم تجاه أولادهم يختلف عن دور المدرس أو المدرسة بشكل عام، الدور ده هو _من وجهة نظري_ إنهم يحاولوا يطلقوا العنان لخيال أولادهم ومايقمعوش الخيال ده، يعني يحاولوا يقللوا من الكلمات السلبية اللي بتتبع أي تفكير يكون خارج الإطار المرسوم ليهم. والأهم يمكن بالنسبة لي وأنا بكتب المقال ده ومتوقع ردود أفعال عليه على شاكلة ”بس إحنا مش وزارة التربية والتعليم“ أو ”طب وإحنا كأبهات وأمهات في إيدينا إيه؟“ إنك كأب وإنك كأم تبقوا قادرين على طرح بدائل لطرق التدريس وآليات التعليم وتطالبوا بيها كمان مش مجرد تتمردوا على اللي موجود عشان مصلحة ولادكم قدام.

آينشتاين كان بيقول إن الخيال أهم من المعرفة، لأنه الخيال في النهاية هو اللي هيوصلنا للمعرفة دي، الموضوع كله بيبدأ بسؤال، وبيفضل يكبر في دماغ الطالب لحد ما يلاقي له إجابة. دور الأهل بقى هنا إنهم مايقمعوش التفكير ده، ويسيبوا مساحة من الخيال والشغف تكون موجودة داخل عقول الطلبة، يعني.. مش هنبقى إحنا والمدرسة عليهم!


المصادر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى