نيون والعلم الذي قادتني إليه الصدفة!
كتبت: مها طـه
«ليس لديّ موهبة خاصة. أنا فقط أتمتع بالفضول والشغف» – ألبرت آينشتاين.
في ديسمبر تبدأ أحلامي، دومًا ما يأتي إليّ ديسمبر حاملًا لهدايا العام الجديد، ودومًا ما انتظر هديته. في أواخر عام 2015، وتحديدًا في نوفمبر، وفي أثناء تصفحي العادي للفيس بوك، وجدت استطلاعًا للرأي تشاركه إحدى صديقاتي، كان موضوعه ملفتًا لنظري، فهو يتناول عددًا من الأسئلة حول فكرة إنشاء موقع للعلوم يتحدث باللغة العربية، مازلت أتذكر إجاباتي جيدًا، فقد كان الأمر مشوقًا للغاية.
أشعر أحيانًا أني وُلدت بشغف وفضول يدفعني للعلوم رغمًا عني، فأنا الطالبة التي ألتحقت بكلية العلوم بإرادتها – على عكس الكثيرين من طلّابِها للأسف – كان يحركني نحوها الكثير من الشغف، وبعد تخرجي بعامين وجدت هذا الاستطلاع الذي صادف حلمًا بداخلي. متمثلًا في تقديم العلوم باللغة العربية للقارئ العادي، بل وغير المهتم بالعلوم من الأساس.
كان لديّ دائمًا الإيمان بأن الاهتمام بالعلوم هو الطريق المباشر للتقدُم، فالدول العظمى لا تُعرف بمستوى التسليح الحربي، ولكن بالبحث العلمي والتقدم الاقتصادي القائم على الصناعات المتطورة، ومستوى تعليم الأفراد فيها، وهو ما أنظر حولي فلا أجده على الإطلاق وللأسف.
بعد تخرجي عملت لفترة كمُدرسة لمواد العلوم وتحديدًا مادة الأحياء، دومًا ما كنت أجد المتعة في إيصال المعلومة العلمية لطلّابي، كنت أشعر بالإنجاز حينما أٌُشعل شغفهم نحو ما يفهمونه، فهم ليسوا مضطرين للحفظ مطلقًا، كل ما عليهم هو الفهم والتساؤل، كنت أبلغ قمة السعادة حينما أفهم موضوعًا علميًا جديدًا أو أشاهد فيمًا وثائقيًا جديدًا و أبدأ في شرحه لأفراد أسرتي، كنت أتمتع بتلك النظرة في عيونهم، والتي تدل على الانبهار وفتح أفق جديد في عقولهم.
في ديسمبر 2015، فوجئت بإتصال من صديقتي صاحبة استطلاع الرأي، تطلبني في مكتبها الجديد في مقر عمل هذا الموقع الجديد والمهتم بالعلوم، وجدتني في الصباح الباكر داخل مكتب نيون يُعرض عليا العمل كفرد داخل فريق العمل، وقتها لم أكن أعلم سوى أن أحد أهم أحلام حياتي، تبناه شخصٌ ما، وقرر تنفيذه، بل وسنحت ليّ الفرصة أن أكون جزءًا من هذا الكيان.
نيون .. بداية الحلم
دخلت نيون وأنا لا أحمل موهبةً فذة في الكتابة، لا أعرف الكثير عن أساليب الكتابة الصحفية، ولكني دخلت بالكثير من الشغف والفضول نحو العلوم، والكثير من التحدي لإيصال فكرة واحدة «العلم مش بس نور ..العلم حرية»، تعلمت الكثير في تلك السنة، تفتح ذهني على ما لم أطلع عليه سابقًا، فوجئت بكم هائل من «الهجص العلمي» إن صح التعبير، وبدأت المواجهة مع جمهور لم يتعود على استقبال العلوم بصورة بسيطة إلا فيما ندر.
بمجرد الانطلاق فوجئت على مستواي الشخصي بالكثير من ردود الأفعال المتحمسة بشدة للفكرة، ولكن في المقابل تؤمن بفشل مثل تلك الأفكار في مجتمع يهتم بسقوط فستان هيفاء وهبي أكثر من اهتمامه باكتشاف صحة موجات الجاذبية التي تحدث عنها ألبرت آينشتاين قبل مائة عام!
كان التحدي كبيرًا عليّ وعلى زملائي، فنحن نحملُ هدفًا نؤمن به أشد الإيمان، تجاوزنا العديد من العقبات في سبيل تبسيط العلوم وربطها بالحياة العادية، فحتى سقوط فستان هيفاء وهبي يحمل الكثير من العلوم، كيف لك أن تعرف ما يدور داخل مسرح مغلق في مدينةٍ ما، إلا عن طريق تصوير الفيديو، الذي قام به هاتف ذكي بكاميرا متطورة تستطيع جمع كل تلك البكسلات pixels لتكوين صورة بدرجة وضوح معينة، وكيف كان يمكن رفع هذا الفيديو على شبكة الإنترنت لولا وجود كابل الإنترنت الممدود في قاع المحيط، وكيف تمكنت من مشاهدة البث الحي لولا هذا العدد اللانهائي من الموجات الكهرومغناطيسية التي تنبعث من جهاز الإرسال وصولًا لجهاز الاستقبال لديك!.
في كل ما يدور حولنا علمًا، فالعلم هو الحياة في أبسط صورها، فكِر في كل ما يدور حولك وحتمًا ستجد وراءه علمًا ما، حتى وجودك في هذه الحياة، ما هو إلا أحد أشكال علم الأحياء، فعلم الأجنة هو ما فسر إنتقال حيوان والدك المنوي ولقاءه ببويضة أُمك، لتنغمس بعدها في شكل قطعة صغيرة من الخلايا في رحمها، لتتشكل أجهزتك وأعضاءك وملامحك التي تحمل مزيجًا من جيناتهما الوراثية، ولكن بشكلٍ يخصك وحدك دونًا عن كل أهل الأرض، متمثلًا في حمضك النووي DNA.
نيون .. التقريب وليس التعريب
اخترنا في نيون منذ البدأ أن تكون اللغة أحد عناصر البساطة في نيون، فمعظم مقالاتنا تتحدث باللغة العامية، نظرًا لأن ما يتميز به نيون هو رغبته الشديدة في تقريب العلوم وليس تعريبها، فمعظم العلوم التي نتحدث عنها لا تحتاج إلى تعريب، لأنها وللأسف مصطلحات تم إنشائها والتعامل معها بلغاتٍ أخرى، ولم يكن لها أي أصل عربي، ولذلك كثيرًا ما يحمل التعريب في طياته فقدانًا للمعنى، حيث ينهمك القارئ أو المتعلم في صعوبة اللفظ، ويفقد معه قيمة المعنى المراد التعبير عنه.
كان ومازال التقريب هو هدفنا الأسمى، فالعلوم ما هي إلا المحاكاة العملية لخيال الإنسان، لو لم يكن الإنسان حالمًا وشغوفًا وفضوليًا بالفطرة، لما استطاع أن يبقى على سطح هذا الكوكب لملايين السنين، يناضل ويتطور ويتخيل ويخترع، فمنذ اختراع النار عن طريق إحتكاك حجرين ببعضهما، وحتى أحلام السفر والمكوث على سطح المريخ، لم تتوقف البشرية عن أحلامها وخيالاتها.
منذ اختراع النار وحتى الآن، كان ولا يزال العلم تراكميًا، مثلًا تأتي الحضارة اليونانية القديمة قبل الميلاد، وعن طريق مجموعة من الفلاسفة لتقول بأن الأرض تتكون من أربعة عناصر أساسية وهي الماء والنار والهواء والتراب، وهو ما كان بدايةً للعديد من النظريات التي وضعت تفسيرات تمهيدًا للوصول لما نعرفه حاليًا تحت مسمى الجدول الدوري الحديث لمندليف، والذي مازالت تنضم إليه عناصر جديدة حتى الآن، ليزداد عدد عناصره الذي كنا نعرف من 114 إلى 118 حسب آخر إحصاء.
نيون .. شغف العلوم يبدأ من هنا
في معرض حديثي عن العلوم قد لا أكتفي بمُجلدٍ كامل لوصف شغفي تجاه كل ما هو علمي، فلا يُمكن أن أنكر أنّي وحتى الآن وبالرغم من تعرضي لمئات الأبحاث العلمية على مدار هذا العام فقط، ورغم كتابتي لمئات المقالات، فإنني مازلت أندهش وأشتعل شغفًا كلما صادفني موضوعٌ جديد، أو أخذني تساؤل لأحد القراء عن طبيعة شئٍ ما، مازالت العلوم تُلهمني مازالت العلوم تحتل الجزء الأهم في عقلي.
أدخل العام الجديد وكلي امتنان للعلوم، كونها قدّرت حبي لها فأهدتني الفرصة لأكون ممثلة عنها، ليس فقط مترجمة ولكن مُحبةً تعبر عن محبوبتها الأثيرة، أدخل عامي الجديد محملة بالشكر لهذا الجندي المجهول الذي بعثه القدر ليُفكر في تحقيق أحد أحلام حياتي، ولصديقتي التي عرفتها بشكلٍ مختلف ورائع على مدار عام من العمل معًا، والتي تستحق عن جدارة لقب «أفضل مديرة» قابلتها في حياتي، وجزيل الشكر لزملائي الأعزّاء، الذين أزالوا عقبات اللغة والكتابة من طريقي، وساعدوا شغفي وفضولي للتعبير عن نفسه، ولطالما تحملوا قلقي وتقلباتي.
في النهاية لا أجد ما أختم به كلماتي سوى هذه التوصيات البسيطة والقيّمة، لأحد أهم العلماء الذين ألهموني وربما ألهموا البشرية كلها.