.
نوّرها

زراعة الدماغ :طفرة في زراعة الأعضاء أم شهوة عالم مجنون؟!

كتبت: مها طـه

«سيرجيو كانافيرو» اسم ممكن ما يكونش مميز ولا معروف أصلا عن أغلب اللي هيقروا المقال ده، لكن صدقوني في خلال سنة سنتين بالكتير هيبقى مرعب!

«سيرجيو كانافيرو»، جراح إيطالي شهرته كلها في الأوساط العلمية مستمدة من سعيه للقيام بعملية زراعة الدماغ لإنسان لأول مرة في العالم.

وقع كلمة زراعة الدماغ لوحدها على النفس غريب جدا، تخيل تقوم من النوم تلاقي راسك على جسم حد تاني غيرك، حاجة كدة أشبه ما تكون بأفلام الخيال العلمي الأمريكية، أو بفيلم كوميدي زي «اللي بالي بالك»، لكن الحقيقة إن الموضوع مش كوميدي خالص يا جماعة، الدكتور «سيرجيو كانافيرو» قرر ينقلنا لمرحلة جديدة و«مرعبة» في تاريخ علم زراعة الأعضاء، ويمكن في تاريخ العلم ككل.

زراعة الدماغ: البداية

أول عملية زراعة دماغ ناجحة، كانت في السبعينات وقام بيها فريق من العلماء بكلية الطب جامعة كيس ويسترن ريزيرف، بقيادة جرّاح المخ والاعصاب «روبرت وايت»، والعلمية دي كانت على قرد، حيث قام بزراعة دماغ قرد على جسم قرد تاني.

بعد العملية، القرد فاق وكان قادر يحرك عينيه وياكل ويتنفس، لكنه كان مشلول تمامًا، وبعد 9 أيام مات القرد، وكان السبب الرئيسي في الوفاة هو رفض ومهاجمة الجهاز المناعي للرأس المزروعة، ودي أحد أهم المشاكل اللي فضلت تمثل عائق قدام أي حد يفكر في القيام بعملية زراعة الدماغ .

  • فبراير 2015:

أعلن الدكتور «سيرجيو كانافيرو» عن نيته للقيام بالعملية، ونشر التقنية التي ناوي يتبعها في دورية جراحة الأعصاب الدولية، وقال إنه بناءًا على تطور العلم والتكنولوجيا دلوقتي، يقدر يقوم بالفعل بعملية زراعة الدماغ .

زراعة الدماغسيرجيو كانافيرو

أول عقبة كان لازم يتخطاها كانافيرو هي إن الدماغ من الأعضاء اللي صعب بعد ما تنفصل عن الجسم تفضل حية، لأنها عضو مُعقد جدًا أكتر من أي عضو تاني بالجسم. كانافيرو قدر بالفعل يتغلب على المشكلة دي من خلال التقنية اللي أعلن عنها، عن طريق تبريد الدماغ والجسم _اللي هيتم زرع الرأس عليه_، وبكدة يقدر يحافظ على الخلايا حية ويفضل الأكسجين واصل لها طول فترة إجراء العملية.

الخطوة التانية هتكون قطع الرقبة، وتوصيل جميع الأوعية الدموية المهمة في أنابيب للحفاظ على سريان الدم فيها، في نفس الوقت اللي هيتم فيه قطع الحبل الشوكي المتصل بالدماغ، والحبل الشوكي المتصل بالجسم في نفس اللحظة، للحفاظ عليهم في حالة بيولوجية متقاربة من بعضهم.

الخطوة الجاية وهي الأهم، إن رأس المتبرع يتم نقلها للجسم المُستقبِل، ويتم دمج نهاية الحبل الشوكي للرأس بالحبل الشوكي للجسم ببعض. على حد وصف «كانافيرو» فالحبل الشوكي بيكون من الداخل شبه حزمة «الإسباجيتي»، وكل اللي هو ناوي يعمله، إنه يخلي السباجيتي ده يلحم أو يلزق في بعضه!

عشان يوصل لكده، كانافيرو أعلن عن استخدام مادة كيميائية تُسمى «بولي إيثيلين جلايكول». مع الاستمرار في ضخ المادة دي طول مدة العملية، المادة دي هتكون بمثابة المياة السخنة اللي هتخلي الإسباجيتي يلزق في بعضه، وده لأن مادة البولي إيثيلين جلايكول بتحفز الدهون الموجودة في أغشية الخلايا للالتحام ببعضها.

الخطوة الأخيرة في العملية هي خياطة وإيصال العضلات والأوعية الدموية ببعضها، بحيث يتدفق الدم مرة تانية، وغالبًا بعد العملية هيدخل المريض في غيبوبة لمدة من 3 لـ4 أسابيع، للسماح للجسم بالالتئام والاستشفاء الذاتي، وفي نفس الوقت هيكون جسم المريض متوصل بأقطاب كهربية، عشان تحفز الحبل الشوكي لتعزيز الروابط العصبية الجديدة بين الحبل الشوكي للرأس وللجسم. جسم المريض غالبًا هياخد حوالي 12 شهر عشان يتعافى تمامًا من العملية، ومن المتوقع إن المريض هيحتفظ بصوته القديم قبل العملية.

  • أبريل 2015:

أول نقطة تحول كبيرة في طريق العملية، وهي تطوع الروسي «فاليري سبريدونوف»، اللي عنده 30 عام، لإجراء العملية، عن طريق إزالة رأسه وزراعتها على جسم آخر. سبيردونوف مُصاب بمرض ضمور العضلات، وده اللي دفعه لمخاطرة كبيرة زي دي.

زراعة الدماغ

مع وجود المتطوع بدأت تصريحات كتير من أطباء وجرّاحي المخ والأعصاب في الظهور، وخصوصًا إن العملية بالطبع مثيرة للجدل جدًا، لأنها تقريبًا هتتطلب حوالي 36 ساعة متواصلة، ومشاركة حوالي 150 طبيب غير الممرضات، ده غير إنها عملية ما اتعملتش قبل كده، وبالتالي الآثار الجانبية ليها تقريبًا مجهولة من الناحية الطبية.

التصريحات الأبرز كانت لدكتور «كريستوفر هووتان» اللي قال إن العملية غير مأمونة العواقب، لأنه لو فضل عايش بعد العملية أصلًا، فغالبًا هيواجه ما هو أسوأ من الموت على حد تعبيره، وهو إن الجسم يرفض الرأس المزروع، وممكن يُصاب بالجنون لمجرد إنه يصحى الصبح يلاقي نفسه بيتعامل مع جسم مش جسمه أصلًا.

دكتور «هانت باتجير»، الرئيس المُنتخب للجمعية الأمريكية لجرّاحي الأعصاب، قال إنه لا يُمكن يسمح للجرّاحين بالقيام بعملية زراعة الدماغ، لأنه حتى ولو كانت العملية بالنسبة للمريض هي طوق نجاة، لكنها ممكن تتسبب فيما تقشعر له الأبدان _على حد وصفه_، لأن المواد الكيميائية الداخلة في العملية بالإضافة لصعوبتها ممكن تدفع المريض للوصول لحالة غير مسبوقة من الجنون، نظرًا لوجود خلايا وروابط عصبية جديدة وغريبة، ممكن يبقى معاها مستحيل السيطرة عليه.

  • يونيو 2015:

توجه «كانافيرو» للمؤتمر السنوي لجرّاحي الأعصاب العظام المُقام في الولايات المتحدة الأمريكية، وقدم عرض لمدة ساعتين ونص، الهدف منه شرح العملية نفسها بخطواتها، ودعوة الأطباء والباحثين المهتمين للمشاركة، وطلب خلالها كمان التمويل من الجهات البحثية ورجال الأعمال عشان يقدر يقوم بالعملية.

«كانافيرو» صرّح في المؤتمر بإن نسبة نجاح العملية متوقع إنها تكون 90%، ودي بالمناسبة نسبة كبيرة جدًا بالنسبة لعملية بالدرجة دي من الخطورة والحساسية، كانافيرو ختم كلمته قدام أعضاء المؤتمر، إن اللي بيقولوه عن إن العلمية دي مستحيلة غير صحيح، وإنه بحاجة لمساعدتهم ومشاركتهم في العملية.

  • سبتمبر 2015:

نقطة التحول التانية والكبيرة في مشوار عملية زراعة الدماغ، كانت بإعلان جرّاح المخ والأعصاب الصيني «رين شياو بينج» عن مشاركته لكانافيرو لتنفيذ العملية، وعلّق كانافيرو على إعلان «شياو بينج»، بإن الطبيب الصيني هو الطبيب الأنسب في العالم كله لقيادة فريق الجرّاحين نظرًا لقدرته التنظيمية والتشغيلية المتميزة، وقال كمان وقتها إن الصين ممكن تكون هي المكان الأنسب للقيام بالعملية.

زراعة الدماغدكتور «تشاو بينج» في أثناء إجراء إحدى العمليات على الفئران

دكتور «شياو بينج» هو أحد الأسماء المعروفة والمشهورة اللي هتقابلها في حالة بحثك عن عملية زراعة الدماغ ، حيث إنه من 2013 ولحد وقت إعلانه للمشاركة، قام بحوالي ألف عملية زراعة دماغ بين الفئران، والعمليات دي تمت بنجاح بالفعل، وكانت الفئران الناتجة عن العملية قادرة على التنفس والشُرب والرؤية، وعلى الرغم من إن العملية الواحدة كانت بتاخد حوالي 10 ساعات، إلا إن الفئران الناتجة مكنتش بتعيش أكتر من دقايق معدودة بعد العملية.

على الرغم من إن الفئران كانت بتعيش لدقايق، إلا إن دكتور «شياو بينج» أصبح خبير في المجال بفضل العمليات دي، وقال وقتها إنه ناوي على إجراء التجربة لكن على قرد المرة دي، لأنه في اعتقاده هيعيش أكتر.

بنهاية عام 2015، كان «كانافيرو» بالفعل قطع شوط محترم في طريقه لتنفيذ حلم زراعة الدماغ في الإنسان، وكان بانتظاره سنة جديدة، عشان يكمل فيها الطريق الطويل، لكن الحقيقة وقتها هو مكنش يعرف اللي مستنيه مع مطلع السنة الجديدة، وإن المفاجآت مش هتتوقف أبدًا. استنونا في الجزء التاني، اللي هنحكي فيه عن كل الخطوات والمفاجآت في العملية، واللي نيون كان حاضر فيها وبيغطيها كلها وبمنتهى الاهتمام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى