تعامد الشمس بين تعذر الرؤية وانعدام الرؤية!
المقال نقلًا عن المهندس/ حمدي السطوحي
أول أمس حالت الشبورة المائية دون وصول شعاع الشمس إلى قدس الأقداس داخل معبد أبو سمبل، وبالتالي تعذرت رؤية تعامد الشمس على وجه الملك رمسيس الثاني، ذلك المكان الذي اعتاد التعامد عليه مرتين كل عام، وصاحب ذلك كثافة شديدة من المتابعة للأسف اتسم بالسطحية أو بالسخرية، ووسطهما سنجد من انزعج وتخوف وأصابه القلق.
النتيجة الواضحة هي أننا في حاجة شديدة إلى المعرفة قبل كل شيء، فهل من الممكن أن نستثمر الموقف لنعرف ما لا نعرفه عن ظاهرة التعامد وما يرتبط بها؟!
هل تعذر رؤية شعاع الشمس من الممكن أن يكون سبباً لأن يكون لدينا رؤية في تلك الظاهرة وانعكاساتها؟ هذا ما سأسعى له من خلال الكلمات التالية.
١- حقيقة تعذر رؤية التعامد
ما حدث بدقة هو تعذر وصول أشعة الشمس إلى وجه رمسيس بقدس الأقداس بسبب وجود شبورة مائية كثيفة حالت دون حدوث ذلك، ولقد كنت داخل المعبد في ذلك الوقت، وبمرور١٠ دقائق وبمتابعة الشمس والشبورة تأكدنا أنه من المستحيل أن تصل الاشعة إلى قدس الأقداس وليس فقط ذلك بل إن الشمس لن نراها في المنطقة قبل نصف ساعة تقريباً، وستكون فترة التعامد قد مرت.
وبالتالي الشمس تعامدت على قدس الاقداس ولكننا لم نستطع رؤية الاشعة.
٢- ما هو التاريخ الذي اختاره أجدادنا لتعامد الشمس؟
من المعلومات المغلوطة هو ذكر أن التعامد يحدث في تاريخ ميلاد أو تتويج الملك، فهذا الكلام ضعيف جداً ويقلل من قيمة علم أجدادنا.
أجدادنا قدماء المصريين اختاروا تاريخ الانقلاب الخريفي والربيعي لارتباطهما بالحصاد والزراعة وإله الشمس، ويتبقى السؤال ما هو التاريخ؟!
اختلف موعد تعامد الشمس بعد نقل معبد أبو سمبل (شهر) وليس (يوم)! تاريخ التعامد الأصلي ليس في فبراير أو أكتوبر .
في البداية يجب أن ننتبه إلى حقيقة علمية مهمه جداً جداً، وهي أن الشمس تتحرك بانتظام على مدار العام طبقاً لزاوية الارتفاع وزاوية السمت (الأفقية) و تلك الزوايا ثابتة لنفس اليوم من كل عام. أما الحقيقة الثانية أن في كل عام يوجد يومان متماثلان في زوايا الشمس.
المعلومة المهمه هي أن يوم ٢٢ يونيو هو أطول نهار في نصف الكرة الشمالي وتتماثل حوله الأيام من حيث زوايا الشمس، بمعنى أن يوم٢١ يونيو يماثل يوم ٢٣ يونيو، ويوم ٢٢ فبراير يماثل يوم ٢٢ اكتوبر (طبقاً للصورة المرفقة) ويوم ٢١ فبراير لا يمكن أن يماثل يوم ٢١ اكتوبر إنما يماثل يوم ٢٣ اكتوبر .
وبالتالي إذا فرضنا أن الاختلاف بعد النقل كان يوم فلا يمكن في جميع الأحوال أن يكون بالإضافة في اليومين، إنما الاضافة في شهر سيقابله الخصم في الشهر المقابل بمعنى: اذا اختلف في فبراير من ٢٢ الى ٢١ سيختلف في اكتوبر من ٢٢ الى ٢٣.
الاختلاف الذي حدث هو شهر لأن التاريخ الذي اختاره أجدادنا هو ٢٢ مارس (الانقلاب الربيعي) و٢٢ سبتمبر (الانقلاب الخريفي) وبعد النقل تغييرت زوايا الشمس وأصبح التعامد في ٢٢ فبراير بدلاً من مارس و٢٢ اكتوبر بدلًا من سبتمبر، والمعلومة التالية تؤكد ذلك.
٣- متى تم افتتاح مشروع إنقاذ معبد أبوسمبل بعد الانتهاء من عملية النقل؟
تم افتتاح المشروع في ٢٢ سيتمبر ١٩٦٨ .
لماذا ٢٢ ؟ ولماذا شهر سبتمبر؟ ولماذا لم ينتظروا إلى ٢٢ أكتوبر؟!
لأن هذا هو تاريخ التعامد قبل نقل المعبد.
٤- أين الظاهرة؟!
من يختزل الظاهرة في التعامد فقط، يظلم نفسه، ويقلل من قيمة المعبد وأهل مدينة أبو سمبل.
تكمن الظاهرة في أنها أصبحت عيد لأهل أبو سمبل، ووجدوه فرصة للاحتفال والفرحة، ونستطيع أن نرى ذلك بوضوح في أعين الصغار قبل الكبار كما تكمن الظاهرة أيضًا في ما وراء اختيار اليوم والعمق والمغزى، وتستمر لتصل إلى التوثيق الموجود على جدران المعبدين، والذي به الكثير من التفرد في المعلومة وطريق الرسم.
كما تمتد الظاهرة لفكرة المعبد المزدوج وقصة نفرتاري التي لها بعد استراتيجي يتخطى القصص التي نتناولها. وسيبقى أن نعلم أن عدد سكان مدينة أبو سمبل ١٢ ألف نسمه ففقط! عدد هزيل لا يتناسب مع إمكانات المنطقة.
في الأخير، أتمنى أن يكون تعذر رؤية التعامد فرصة ليكون لنا رؤية في تناول ملف أبو سمبل.
من هو المهندس حمدي السطوحي؟
استشاري معماري متخصص في تصميم المباني العامة “المتاحف”. متخصص في الترميم ودراسة المناطق التراثية. مؤسس حملة أبو سمبل 50.
