.
ليه وإزاي؟

هل إنت من الناس اللي بتخاف من البلياتشو؟

كتب: أحمد حسين

وأنا صغير، أيام المراهقة بالتحديد كنت بحب أشوف أي فيلم أجنبي ييجي على قناة شوتايم، ماكناش أغنيا ولا حاجة، وصلة بعشرة جنية في الشهر 😀  في أحد الأيام، مر قدامي فيلم سبقه تحذير إن الفيلم (+18) وإن فيه (مواد لا تناسب الصغار) وكده، ومع إني ماعدتش الـ18 سنة لسه، إلا إننا متربيين من وإحنا صغيرين إن بلدنا رجالة، وأنا راجل لذلك من حقي أتفرج عادي، وقولت آخرهم كالعادة مشهد ولا مشهدين عابرين والفيلم هيبقى حلو وخلاص، بس ماكنتش أعرف إن القادم أسوأ….


بدأ الفيلم بلقطة لمُهرج أو بلياتشو شكله غريب، جسمه مليان والألوان على وشه باهتة ومزيج من الأحمر والأبيض والأزرق، وسنانه ماتغسلتش من يوم ما اتولد، كانت بداية مُشرقة بالتفاؤل. أحداث الفيلم بتدور حوالين عيلة البلياتشو ده، عيلة من المخابيل والمرضى العقليين شديدي الخطورة، قتالين قُتلة ولا بيهمهم حد، الغريب بالنسبة لي غير فظاعة مشاهد الفيلم، فكرة إن في بلياتشو شرير ومخيف، يعني في الغالب البلياتشو ده رمز للكوميديا البسيطة بس هما دمروها من ساعة الفيلم ده بالبلياتشو اللي ماكانش له علاقة بالكوميديا لا من قريب ولا من بعيد.

الكولروفوبيا.. البلياتشو ده بيبص لي كده ليه؟

في عوامل كتير ممكن تخلينا نخاف من البلياتشو اللي في الفيلم، لكن لو كان البلياتشو ده شكله عادي مش مخيف، ليه ممكن نخاف منه؟ في مصطلح اسمه “كولروفوبيا – Coulrophobia” أو فوبيا المهرجين بيحكي عن الخوف غير المبرر من المهرجين، وبتكون أعراضها واضحة اللي منها الإحساس بالقلق وتسارع ضربات القلب لمجرد وجود مُهرج أو بلياتشو في المكان.

لحد دلوقتي، الأسباب غير معلومة بشكل مباشر، لكن علماء النفس من جامعات ستانفورد وكاليفورنيا وغيرهم أقرّوا بعض الأسباب لخوف بعض الناس من المُهرّجين، زي تأثير “الوادي غير المألوف” (Uncanny Valley) ومعناه الخوف من أي شيء لا يبدو على صورته الأصلية المعروفة، زي ما تروح مكان شكله غريب عليك، أو تشوف إنسان لأول مرة بعيون جاحظة أو طويل جدًا أو بشكل عام فيه شيء غريب، كل ده بيخلّف شعور غير مريح في النفس تجاه الشخص ده.

الحركة الغريبة برضه بتدخل ضمن تأثير الوادي غير المألوف، يعني لو شوفت شخص ماشي على كعبه وبيحرك إيده ووشه بشكل ميكانيكي كأنه إنسان آلي، غالبًا هتقلق منه على الأقل ولو طفل هتخاف منه، إلا لو كنت طفل من الشياطين الصغيرين حبيب بابا وماما اللي ممكن يخبطوه بطوبة في وشه يعني. روبين ويليامز الممثل والكوميدي الأمريكي المحبوب اتكلم عن رحلة راحها مع ابنه ذو الخمس سنوات لديزني، وساعتها ابنه خاف من ميكي ماوس جدًا، فروبن ويليامز قال إن ميكي ماوس بالنسبة لابنه عبارة عن فار طوله مترين فطبيعي يترعب منه.

الخوف ده بقى زي ما قلنا قبل كده -في أول المقال- ممكن يتحول لفوبيا تسبب نوبات هلع وصعوبة في التنفس وعدم انتظام في ضربات القلب والتعرّق الشديد والإغماء، وبتصيب عادةً الأطفال الصغيرين في السن وبعض البالغين، وبما إنها اضطراب نادر فالدكاترة مايعرفوش عنها كتير، لكنهم قدروا يعالجوا حالات منها بالعلاج السلوكي المعرفي، اللي هو تغيير قناعات المريض وتفكيره السلبي تجاه مخاوفه ودعمه للتغلّب عليها اللي هو البلياتشو هنا.

الواقع والأدب وصورة البلياتشو الشرير

الواقع والأدب كمان أثّروا بشكل كبير في زيادة المخاوف تجاه المُهرّجين. سنة 1980، أُدين شخص اسمه “جون واين جيسي” بـ33 تهمة قتل عمد واغتصاب وتعذيب لشباب ورجال من سن المراهقة إلى ما فوقه، جيسي اتشهر باسم “المهرج القاتل” لأنه كان عامل شخصية اسمها “بوجو المهرج” وبيروح يعمل عروض في التجمّعات الخيرية وحفلات الأطفال وأعياد الميلاد وغيرهم.

طفولة جيسي كانت مؤثرة جدًا في جعله شخصية مضطربة تمامًا، أبوه كان مدمن كحوليات وبيضربه طول الوقت بسبب ومن غير سبب، ووالدته كانت ضعيفة ومقهورة ومع ذلك كانت بتحاول تربيه، لكن حياته كانت عبارة عن سلسلة من الأحداث المؤسفة، تعرّض لجميع أنواع القهر والاضطهاد، سواء في المدرسة من البلطجية، أو من أحد أصدقاء عيلته اللي تحرّش بيه وهو طفل، وفضلت كل الأحداث دي بداخله وهو بيكبر بكره داخلي للمجتمع ككل.

جيسي اتقبض عليه سنة 1969، واتوّجه له اتهامات كتير راح على إثرها لمستشفى الأمراض العقلية علشان الدكاترة يقدموا تقرير بحالته، الدكاترة قالوا إنه مُصاب بمجموعة كبيرة من الأمراض العقلية في مراحل متقدمة جدًا يصعُب علاجها، وإنه لو خرج مرة تانية للمجتمع هيكرر ما فعله دون إرادة منه، وبالفعل جيسي ماستجابش للعلاج طوال سنوات، واتحكم عليه بالإعدام وتم إعدامه سنة 1994.

شخصية جيسي ألهمت الكاتب الأمريكي “ستيفن كينج” لكتابة رواية بعنوان (it) الشخصية الرئيسية الشريرة فيها مُهرّج قاتل ومُرعب. ده غير شخصيات كتير في روايات وأفلام وكارتونات (Simpsons كمثال) صوّرت البلياتشو بشكل مختلف ومرعب، وده أدى لرسم صورة مختلفة له في المخيلة الشعبية الجماعية للبشر بشكل عام.

في النهاية، الخوف إحساس طبيعي جدًا، ووارد إن شئ معين يكو ارتبط في دهنك بحاجة تخليك تحبه أو تكرهه أو تخاف منه سواء كان بلياتشو أو دبدوب لعبة أو أي حاجة تانية، لكن لو أعراضه دخلت في الإغماءات واضطراب نبضات القلب، يبقى الأفضل زيارة طبيب أو اخصائي نفسي للتغلّب على إحساس الخوف الشديد أو الفوبيا في أقرب وقت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى