.
ليه وإزاي؟

العالم محاكاة كمبيوتر: عرض ترومان المستمر

كتب: أحمد حسين

سنة 1998، صَدَر فيلم «عرض ترومان» أو The Truman show، من إخراج بيتر وير وبطولة جيم كاري. الفيلم بيحكي قصة شاب اسمه ترومان بيعيش حياة هادية جدًا، جيرانه وأصدقاءه وأهله كلهم ناس لطيفة، وهو بيشتغل شغل كويس وعايش في بيت جميل، يعني حياة تقترب من المثالية ويتمناها ناس كتير.

لكن حياة ترومان بالنسبة له كان يشوبها بعض الشوائب، منها إنه عمره ما سافر برّه حيّز المدينة الصغيرة اللي بيعيش فيها، وعمره ما عام في البحر بحرية، والمرة الوحيدة اللي أبحر فيها مع والده وتعمّقوا في البحر، والده غرق بسبب عاصفة شديدة هبّت عليهم. المهم إن ترومان بينطلق من النقطة دي ويحاول يجاوب على الأسئلة اللي بتدور في دماغه، علشان يكتشف في النهاية إنه عايش في برنامج كبير وكل اللي حواليه دول ممثلين، والمدينة اللي عايش فيها هي مجرد ستديو كبير، وحياته كلها عبارة عن سيناريو مرسوم وفي مخرج قاعد في الاستديو هو اللي بيتحكم في أداء كل حاجة.

محاكاة الكمبيوتر وعالم ترومان المُبرمج

طرح بعض علماء الفيزياء والفلاسفة فرضية وسؤال مُشابه لفكرة فيلم عرض ترومان، إيه يحصل لو طلعنا كلنا بالكون اللي عايشين فيه عبارة عن محاكاة كمبيوتر لشخص ما؟ زي ما نكون جزء من لعبة أو من فيلم مثلًا، وفي لاعب أو مخرج بيتحكم في مجريات حياتنا. الفرضية دي مشابهة برضه لفكرة فيلم “ماتريكس”، وهي بالمناسبة فرضية علمية شرعية تمامًا مش فارغة، لدرجة إن في بعض العلماء بيعتبروها منطقية جدًا كمان.

بس ده مايمنعش إن الفرضية مثيرة للجدل، وبيدور حواليها نقاشات بشكل مستمر بين العلماء. عالم الكونيات “نيل ديجراس تايسون” مثلًا كان له رأي بيقول إن في احتمالية ولو 50% إن الكون كله يكون عبارة عن محاكاة كمبيوتر لتطبيق أو برنامج ما على القرص الصلب لشخص ما، ممكن يكون بيشترك معانا في بعض الصفات لكنه أذكى بكتير. نيل تايسون اعتمد في فرضيته دي على نسبة التشابه بينا وبين الشمبانزي في الحمض النووي واللي بتوصل لـ98%، ومع ذلك مستوى ذكاءنا أعلى من الشمبانزي، فليه مايكونش نفس الحال مع الشخص صاحب الكمبيوتر ده؟

اعرف أكتر: الحمض النووي “أنا 60 % موز؟!”

نفس الفرضية طرحها الفيلسوف “نيك بوسترم” في جامعة أوكسفورد سنة 2003، واقترح إن في حضارة متقدمة عننا وعندهم قدرات تكنولوجيّة أعلى، قدروا بالفعل يعملوا محاكاة لأجدادهم _اللي هما البشر_ وبما إنهم عندهم القدرة دي فقدروا يصنعوا نُسخ بأعداد كبيرة، مئات الملايين من المحاكاة دي، وبحساب الإحصاءات البسيطة، هنكون جميعًا كبشر جزء من المحاكاة دي. بوسترم قال كمان إننا كل ما تعلمنا وفهمنا أكتر عن الكون، بندرك إنه مصنوع وماشي حسب قوانين الرياضيات، وده سبب تاني يؤكد فرضية محاكاة الكمبيوتر بالنسبة له.

محاكاة كمبيوتر ترومان شو

الفرضية اللي طرحها “بوسترم” فتحت مجال كبير للنقاش. عالم الكونيات “ماكس تيجمارك” وافق على كلام بوسترم، وقال إن الكلام عن  محاكاة الكمبيوتر عادي وطبيعي ومنطقي، لأن ده مش شيء ممنوح للكون بل هو جزء من الطبيعة، بمعنى أن الكون مش محتاج يكون محاكاة كمبيوتر علشان يمشي بقوانين الرياضيات والفيزياء.

“تيجمارك” ضاف على كلامه وقال إنه لو كان فعلًا شخصية في محاكاة كمبيوتر كان هيفكر بنفس الطريقة -لو له إنه يفكر يعني-، وكان هيدرك في النهاية إن كل شيء حواليه ماشي بقوانين الرياضيات كجزء من الطبيعة، سواء حقيقية أو محاكاة لأن ده بيعكس لغة الكود -لغة البرمجة- اللي اتكتب بيها مش أكتر.

كلام “تيجمارك” ده اتفق معاه فيزيائي من جامعة ميرلاند اسمه “جيمس جيتس”، وقال إنه اكتشف شيء عجيب في أبحاثه، وهو إنه لما كان بيشتغل على بعض الأكواد المُستخدمة في البرمجة، كان بيلاقي أكواد تصحيح الخطأ واللي بتخلّي مُحرّكات البحث وتطبيقات كتيرة تشتغل صح، واستغرب لما اكتشف إن نفس الأكواد دي موجودة في دراسته لتناظر أو تناسق الكواركات -جزيئات صغيرة جدًا داخل المواد- والإلكترونات، وده خلاه -حسب وصفه- يُدرك إن كلام عالم زي تيجمارك معقول، وإن تيجمارك مش مجنون ولا حاجة زي ما كان بيقول عليه في الأول.

محاكاة بكائنات متأخرة

لكن مش كل الناس لازم توافق على الفرضية دي، “نيل ديجراس تايسون” هنا بيظهر معانا بدور تاني، وبيقول إنه مش بالضرورة علشان لقيت حل لمشكلاتك على طريقة لغات البرمجة والأكواد، يبقى الكون كله محاكاة بقى، ده ممكن يكون حظ أو صدفة في بعض اللحظات، وله علاقة بطريقة تفكيرك أكتر مما له علاقة بالكون، وضرب مثال بإن الشاكوش بيفكّر في إن كل المشاكل أكيد مسامير، علشان كده بيكون له طريقة أو اتنين بس في حلّها، ومش بالضرورة الكون من حوالين الشاكوش يكون كله مسامير يعني.

معارضة تانية حصلت على الفرضية، والمرة دي من ناحية “ليزا راندال”، فيزيائية من جامعة هارفرد، قالت إن الفرضية مش مُنطلقة من احتمالات محددة وواضحة، وإنها عندها مشكلة مع تخيّل إن في مجموعات كتير عاوزة تحاكينا، وبتقول إن ده نابع من اعتزازنا بنفسنا فقط، لأنه ليه أنواع متقدمة عننا في كل شيء هيحبوا إنهم يحاكوا كائنات متأخرة زينا؟ وقالت كمان إنها مستغربة جدًا من العلماء اللي بيروّجوا للفرضية دي باعتبارها منطقية، لأن بالنسبة لها احتمالية إن الفكرة دي تطلع حقيقية هي صفر بكل تأكيد -حسب تعبيرها-. أيدّها في الرأي ده أستاذ فلسفة من جامعة نيويورك اسمه “ديفيد شالميرز”، لما قال إن مفيش حاجة هتثبت إن الكون ده مجرد محاكاة كمبيوتر لأن أي إثبات قد يكون مُبرمج ومش حقيقي، وحتى لو كان حقيقي وإحنا عايشين في كون يشبه فيلم ماتريكس، ده مش شيء وحش خالص حسب كلام “شالميرز”.

الدنيا والحياة الأبدية والقيامة وأشياء أخرى

الكلام ده فتح مجال آخر من الجدل، ونقل السياق بالكامل للحديث عن فكرة الدنيا والحياة، حسب ما قال الفيزيائي “جيمس جيتس” إن الفرضية لو حقيقية، ده هيفتح الباب أمام أسئلة ذات طابع ديني عن الحياة الأبدية والقيامة، واقترح جيتس إننا لو افترضنا صحة الفردية دي فعلًا، وإننا مجرد جزء من برنامج كمبيوتر، فإحنا تمام طالما الكمبيوتر تمام، لأن الكمبيوتر هيقدر يعيد البرنامج تاني مرّات ومرّات، لكن لو حصل له حاجة يبقى على الدنيا السلانكتيه!

محاكاة كمبيوتر ماتريكس

الفيلسوف “شالميرز” قال إن لو في شخص فعلًا صنع المحاكاة دي، فده برضه مايخليهوش “إله”، لأننا بنصنع محاكاة لأشياء كتير في الكون، فهل ده يخلينا بالضرورة آلهة؟ وأضاف إن الشخص اللي صنعها هيكون مجرد مُخترق في سن المُراهقة بس متقدم تكنولوجيًا عننا.

“نيل ديجراس تايسون” بيقر يظهر للمرة التالتة برأي مُشابه لرأي شالميرز، وقال إننا مابنفتكرش نفسنا آلهة علشان عندنا القدرة على التحكّم في حركات “سوبر ماريو” مثلًا، ده مابيخليناش نفكّر في نفسنا على أساس إننا ذوات قدرة مطلقة ولا حاجة، وبعدين طرح سؤال: “ماذا لو حصل خطأ في المحاكاة وانهار البرنامج كله؟”.

المهم يعني، في النهاية، خلونا نسمع نصيحة “تيجمارك” لما قال إننا نستمتع ونعمل حاجات تكون مثيرة للإعجاب، علشان المتحكمين في المحاكاة مايطردوناش من اللعبة، أو يزهقوا ويقفلوها خالص.


المصادر: scientificamerican bbc newyorker

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى