.
نوّرها

عن نظرات “ديما الواوي” التائهة واضطراب ما بعد الصدمة!

كتبت: مها طـه

انتشر في وسائل الإعلام وعلى شبكات التواصل الاجتماعي صورة ”ديما الواوي“ البنت الفلسطينية اللي تم اعتقالها لمدة شهرين في سجون الإحتلال الإسرائيلي. الصور اللي انتشرت لـ”ديما“ كانت بعدما تم الإفراج عنها. اللي كان ملاحظ بقوة في الصور اللي تم التقاطها وطغى عليها هو ملامح أشبه بالتوهان على وش البنت، لا فرحة ولا حزن بس نظرة عميقة للفراغ تقريبًا، أي حد هيشوف صورة البنت هيقدر يستوعب ولو شوية من الأثر النفسي العظيم اللي ممكن تتسبب فيه تجربة السجن.

ونظرًا لإن الصورة كانت بتعبر عن مشكلة حقيقية قد تصل لدرجة أزمة نفسية، في وجهة نظري، أصابت البنت نتيجة التجربة الغير لطيفة على الإطلاق اللي مرت بيها، وبعيدًا عن إننا مش متخصصين نفسيًا، من هنا قررنا إننا نبحث شوية ورا الموضوع، يا ترى إيه التفسير العلمي المحتمل لنظرات ”ديما“؟، ويا ترى إيه هو تأثير السجن على النفس، هل السجن فعلًا تأديب وتهذيب وإصلاح؟ وإيه عواقب عدم الالتفات للآثار النفسية الناتجة عن المرور بتجربة السجن نفسها؟ هنحاول نجاوب مع بعض على التساؤلات دي.

اضطراب ما بعد الصدمة وعلاقته بالسجون

”اضطراب ما بعد الصدمة – PTSD“ مصطلح في الطب النفسي، بيُستخدم لوصف الأشخاص اللي بيعانوا من مشاكل نفسية كبيرة بعد تعرضهم لصدمة كبيرة، سواء كانت الصدمة دي حادثة مرورية فظيعة أو فقدان شخص عزيز أو كارثة طبيعية أو حادثة اغتصاب أو حتى المرور بتجربة السجن، وخصوصًا لو الشخص المسجون كان برئ أو مسجون لمجرد إنه عبر عن فكرة معينة مؤمن بيها أو كان مجرد طفل!

المشاكل النفسية المصاحبة للصدمات غالبًا بتبقى رعب وهلع وخوف غير مبررين، صمت و عدم رغبة في الحياة، المعاناة من الكوابيس، اضطرابات النوم بالإضافة إلى زيادة الحساسية بشكل مفرط تجاه المواقف. لو الشخص فضل يعاني من الأعراض دي لفترة شهر أو أكتر من بعد الصدمة، فهو في الطب النفسي بيتم تشخيصه بالإصابة باضطراب ما بعد الصدمة.

في بحث جديد قام بيه ”شوان كاهيل“، أستاذ علم النفس بجامعة ”ويسكونسن- ميلووكي“، ومجموعة من خريجي نفس القسم، تم الربط ما بين السجن والإصابة باضطراب ما بعد الصدمة. البحث اتعمل من خلال جمع مجموعة كبيرة من البيانات من دراسات استقصائية سابقة لدراسة اضطرابات ما بعد الصدمة، تم نشر البحث في دورية ”السلوك الإجرامي والصحة العقلية“.

بعد جمع البيانات وتحليلها، توصل ”كاهيل“ وفريقه إلى إن الأشخاص اللي تعرضوا لتجربة السجن كانوا أكثر عرضة للإصابة باضطرابات ما بعد الصدمة، البحث قال إنهم مش متاكدين تمامًا من إن السجن هو السبب الرئيسي في الإصابة بالمرض أو إن الأشخاص اللي تمت عليهم الدراسة كانوا بيعانوا أصلًا في حياتهم من صدمات أدت بيهم لارتكاب جرائم ممكن تخليهم يتسجنوا لكن اللي الفريق متأكد منه هو وجود علاقة وثيقة بين الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة وبين التعرض لتجربة السجن.

إيه اللي ممكن يتسبب فيه اضطراب ما بعد الصدمة؟

اضطرابات ما بعد الصدمة بتهدد بمشاكل كبيرة في المستقبل لو تم إهمال علاجها، زي خطر زيادة العنف خصوصًا للانتقام من الأشخاص اللي تسببوا في الصدمة نفسها والميل للانتحار كنتيجة لعدم الرغبة في الحياة والميل للهروب من الواقع بتعاطي المخدرات والمهدئات والمنومات بشكل مُفرط بدون استشارة طبيب وزيادة المعاناة من المشاكل الصحية المرتبطة بالإصابة بالاضطراب نفسه.

في بحث تاني نُشر في ”PTSD and Criminal Behaviour“، وضحت أرقام الإحصائيات إن اضطراب ما بعد الصدمة أصاب 48% من الإناث و30% من الذكور اللي عانوا من تجربة السجن، والحقيقة إن دي الأرقام المُعلنة، والمتوقع إن الأرقام الحقيقية تكون أكتر من ده بكتير.

علاج اضطرابات ما بعد الصدمة بيكون غالبًا مش موجود في السجون، وده اللي بيؤدي لتفاقم الأعراض المؤلمة بتاعت المرض والمؤذية للشخص المصاب بيه بدرجة كبيرة. الحقيقة إن اضطرابات ما بعد الصدمة اللي ممكن تحصل للسجين وما يتمش معالجتها ممكن تبقى هي السبب في إنتاج إرهابي أو قاتل حقيقي بعد ما كان مجرد شخص برئ أو بيدافع عن حق أو فكرة من وجهة نظره، البنت دي وغيرها من صِغار السن المسجونين في سجون الإحتلال الإسرائيلي أو سجون الأنظمة السياسية لأيًا كانت البلد، بتكون معاناتهم أكبر بكتير نظرًا لكونهم أطفال في المقام الأول.

السجن تجربة قاسية جدًا بتغير من نفسية المسجون، والحقيقي إن المقصود منها كعقوبة، هي عزل الشخص المُذنب عن باقي الناس بهدف تعديل مساره السلوكي وتقويمه لكن للأسف مش ده اللي بيحصل، وغالبًا بيخرج الشخص المُذنب بمجموعة أكبر من المشاكل النفسية، فما بالك لو لم يكن مُذنب من الأساس!


المصادر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى