.
نوّرها

الفيمتوثانية: حين أدخلنا زويل أزمانًا جديدة!

كتبت: يارا كمال

من سنين، كنت قريت السيرة الذاتية بتاعت د. أحمد زويل، ويمكن دلوقتي مش فاكرة منها غير إنه كان حاكي قصة حياته بشكل يوحي بجو المعاناة والدراما الأوفر ده خالص. كنت حاسة إنها قصة عادية جدًا، مفيش أي شيء مميز فيها غير إن الراجل ده كان شغوف باللي بيعمله إلى أقصى درجة ولكن بهدوء في نفس الوقت.

يمكن ده اللي خلاه يجتاز حواجز علماء الكيمياء مكانوش يتخيلوا إنهم يجتازوها، ويمتلك زمن الفيمتوثانية، ويمكن ده اللي علّم فيا وخلاني أترحم عليه من قلبي، بغض النظر عن إنه رمز مصري مهم وإنه خدم الإنسانية بعلمه.

رغم إننا كلنا عارفين إن أحمد زويل –الله يرحمه- قامة علمية عالمية وإنه حاصل على جايزة نوبل، ومن المصريين المعدودين اللي حصلوا على الجايزة دي، إلا إن بعضنا ممكن يكون مايعرفش إيه الإنجاز العلمي اللي حققه زويل بالظبط.

ممكن بعضنا يقول إنه اخترع أو عمل حاجة اسمها الفيمتوثانية، وإن دي وحدة زمنية، وممكن حد تشطح منه ويقول طب ما أنا ممكن أعمل وحدة زمنية اسمها الكيكوثانية وأقول إنها بتساوي قد كذا من الثانية، إيه الجديد؟

الفيمتوثانية: تفاعلات بالبطيء 

الحقيقة إن أحمد زويل حصل على جايزة نوبل لإنه قدر يستخدم ومضات الليزر القصيرة أوي في رؤية الذرات وهي بتتحرك أثناء التفاعل الكيميائي، في النطاق الزمني اللي بتحصل فيه التفاعلات دي بالفعل، والوقت من كتر ما هو قصير ”أوي“ مانقدرش نقيسه غير بوحدة زي الفيمتوثانية.

ببساطة أكتر، تقدر تعرف اللعبة اللي اتلعبت في ماتش كورة دي تتحسب لمين إلا لو شوفتها متبطئة (slow motion)؟ أهو هو ده اللي عمله زويل، وهو إنه قدر يدرس التفاعلات اللي بتحصل بين الجزيئات والذرات، ويشوف الروابط اللي بينها وهي بتتكسر ويشوف روابط تانية وهي بتتكوّن، ودي حاجة كان يتمناها أي كيميائي.

يعني ببساطة، نقدر نقول إن تقنية زويل بتعتمد على أسرع كاميرا في العالم، لإنها بتستخدم ومضات الليزر لمدة قصيرة جدًا بحيث نبقى وصلنا للمدة اللي التفاعلات بتحصل فيها، واللي بتتقاس بوحدة الفيمتو ثانية، واللي بتساوي 1/ 1015 من الثانية، يعني بتساوي 0.0000000000000001 من الثانية، يعني بشكل أبسط الفيمتوثانية بتساوي بالنسبة للثانية اللي بتساويه الثانية بالنسبة لـ32 مليون سنة، يعني جملة ”غمضة عين في عمر الزمان“ بتنطبق عليها بس هي بقى غمضة عين في عمر الثانية ذات نفسها.

فرع جديد في العلم تم تأسيسه تحت اسم ”كيمياء الفيمتو- femtochemistry“، واللي من خلاله بنقدر نفهم إزاي التفاعلات الكيميائية بتحصل.

طيب هل التفاعلات الكيميائية بتحصل كلها بنفس السرعة؟

لأ، التفاعلات الكيميائية بتحصل بسرعات مختلفة، يعني عندك انفجار الديناميت وعندك البرومة اللي بتاكل التلاجة، الاتنين تفاعلات أهوه، بس واحد بيحصل بسرعة جدًا وواحد بيحصل في سنين. بس الشايع في أغلب التفاعلات إن السرعة بتزيد لما الحرارة بتزيد، عشان الحركة الجزيئية بتبقى أعنف.

وعشان كده الباحثين بيعتقدوا إن الجزيئات لازم تتنشط، يعني لو فيه جزيئين تصادموا سوا، مفيش حاجة هتحصل غير إنهم زي أي حاجتين بيصطدموا ببعض، هيخبطوا ويبعدوا عن بعض. أما لو الحرارة عالية كفاية، فلو كده الاصطدام هيبقى عنيف كفاية لدرجة تخليهم إنهم يتفاعلوا سوا وإن جزيئات جديدة تتكوّن، والكلام ده ينطبق برضه على التفاعلات البطيئة، بس الفرق إن زيادة الحرارة بتحصل بشكل أكثر ندرة في التفاعلات البطيئة عن التفاعلات السريعة.

اللي بيعطّل التفاعلات دي هي القوى اللي بتربط الذرات ببعضها في الجزيء، الفكرة بقى كلها في الحالة الانتقالية اللي الجزيء بيقدر فيها يتخطى العقبة اللي بتمثلها القوى.

مرحلة انتقالية في أقل من لمح البصر

في التلاتينات، العلماء وصلوا لنظرية بتفترض إن الحالة الانتقالية دي بتمر بسرعة شديدة على النطاق الزمني اللي بتحصل فيه الاهتزازات الجزيئية، وده طبعًا بيحصل في وقت قصير جدًا صعب نعمل فيه أي تجربة، وده اللي مكانش حد يحلم بيه بس زويل قدر يحققه لما قدر يصور الجزيئات وهي في في تفاعل كيميائي في وقت الحالة الانتقالية دي.

الوقت اللي بتاخده الذرات جوه الجزئ عشان يحصل لها اهتزاز واحد بيكون من 10 لـ100 فيمتوثانية. أهي ومضات الليزر اللي استخدمها زويل بتاخد عشرات الفيمتوثانية.

اللي بيعمله الليزر فائق السرعة ده اللي بيستخدمه زويل هو إنه بيدخّل على الجزيئات بتاعة المادة الأصلية نبضتين: نبضة قوية (pump pulse) في الأول ودي بتضرب الجزيء وبتثيره عشان يوصل لحالة طاقة أعلى، وبعدين نبضة أضعف (probe pulse) على طول موجي معين عشان يكشفوا عن المادة الأصلية أو التغير اللي حصل لها. يعني النبضة الأولانية هي إشارة البدء للتفاعل عشان يحصل، والنبضة التانية هي اللي بتكشف عن اللي بيحصل. وبتغيير المدة اللي بين النبضتين، ممكن نعرف الوقت اللي بتتحوّل فيه المادة الأصلية.

الفيمتوثانية مش مجرد زمن .. ده علم

دراسات الفيمتوثانية ممكن نستخدمها في:

  • فهم وتحسين المواد المحفزة
  • وممكن نفهم آلية الذوبان والتفاعلات اللي بتحصل بين المواد جوه محلول
  • وفي تطوير مواد جديدة لاستخدامها في الإلكترونيات
  • وفي فهم إزاي الأدوية مفروض يتم إنتاجها في المستقبل.

برضه من مجالات البحث المهمة اللي ممكن تستفيد من التقنية دي دراسات الأنظمة البيولوجية.

كمان فهم آليات التفاعلات الكيميائية مهم في قدرتنا على التحكم في التفاعلات دي. ممكن تفاعل كيميائي واحد مرغوب فيه يكون مصحوب بسلسلة من التفاعلات الكيميائية التانية غير المرغوب فيها، واللي بتنتج مزيج من المنتجات بتحتاج بعد كده لعملية فصل وتنقية. التقنية دي ممكن تساعدنا نتحكم في التفاعل عن طريق إننا نبدأ التفاعل ده في روابط معينة، عشان نتجنب كل التفاعلات التانية اللي ملهاش لازمة.

ممكن الناس تبقى برضه مش فاهمة إيه أهمية ده بالنسبة لينا أو إن دي كلها تطبيقات مش مفهوم بالنسبة لينا إيه فايدتها؟

هنا بقى خلينا نقول إن الفكرة كلها في إن العلم مابيتولدش من لحظة كده. العلم تراكمي، وفيه فرق بين العلم والتكنولوجيا اللي هي تطبيق العلم.

يعني نيوتن لما اكتشف الجاذبية، يمكن مكانش عارف إن ده هيخلينا نقدر نخترع الطيارة والصاروخ ونتحدى بيهم جاذبية الأرض، وأصلًا عشان نوصل للإنجازات دي احتاجنا فوق الاكتشاف ده ميت اكتشاف وابتكار. ولا مثلًا لما ليفنهوك اخترع الميكرسكوب وشاف لأول مرة الميكروبات، عرف إن الميكروبات دي ليها دور في حياتنا، ولولاه مكناش هنوصل لمضادات حيوية ولا هندوّر على علاجات لفيروسات خطيرة زي الإيدز.

بس الإنجازات العلمية الضخمة بتتعرف من حجم العوالم اللي بتفتحها قدامنا واللي مكناش عارفين نوصل لها قبل كده خالص، عشان كده زويل يستحق نوبل ويستحق إننا نفتخر بيه كمصريين وكبشر عمومًا هو واللي زيه.    

المصادر: nobelprize  ucsb.ed  princeton.edu

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى