.
نوّرها

الاستمطار: فلنتوسّل السماء أن تمطر!

كتبت: يارا كمال

بالدعاء بدأ كل شيء. قبل أن يعرف الإنسان الطب، طلب من الآلهة أن تشفيه ومارس الطقوس ليتوسل إليها، ثم أصبح الطب وسيلة للشفاء. مازالت الشعوب تستحلف السماء بالله أن تمطر، في ظل جفاف ومجاعات لم يستطع العلم أن يتجاوزها بعد. الآن يبحث العلم عن طريق ليستمطر السماء حتى إن بعض الدول العربية بدأت تستخدم تقنيات الاستمطار رغم عدم التأكّد من نتائجها بعد.

في البداية، كيف يهطل المطر؟

في طبقة التروبوسفير، أقرب طبقة من الغلاف الجوي إلى الأرض، بتقل درجة الحرارة، كلما زاد الارتفاع، فإذا كانت درجة حرارة السحاب أعلى من صفر، يسمى بـ”السحاب الدافئ“، وإذا كانت أقل من صفر، يسمى بـ”السحاب البارد“.

في السحاب الدافئ تتحوّل قطرات المياه الصغيرة لقطرات كبيرة عن طريق الاصطدام والالتحام، ولا تستطيع أن تطفو في الهواء، لذا تسقط على الأرض في صورة مطر. أما في السحاب البارد، تنمو بلورات الثلج حتى لا تستطيع الطفو في الهواء، فتنزل إلى أسفل السحاب، وعندما تمر بدرجة حرارة صفر يذوب الثلج وينزل قطرات مطر.

عندما تكون قطرات المياه في السحب صغيرة أو عندما لا تكون هناك بلورات ثلج كافية للإمطار، نحتاج إلى تكوين بلورات ثلج أو مساعدة قطرات المياه الصغيرة لكي تكبر بطرق صناعية، وهذا هو ما يسمى ”الاستمطار“ أو ”المطر الصناعي“.

الاستمطار وتلقيح السحب!

يمكن تكوين المطر الصناعي عن طريق ما يُعرف بـ”تلقيح السحب“ (Cloud seeding) عن طريق عدة أساليب: إما رش قطرات مياه، أو بودرة أو سائل استرطابي (أي لديه قدرة على جذب والاحتفاظ بجزيئات المياه، مثل كلوريد صوديوم)، مما يجعل هذه القطرات تنمو بالتصادم والالتحام لتسقط مطرًا في النهاية.

هناك طرق عديدة لاستمطار السحب الباردة، وأكثرها شيوعًا استخدام الثلج الجاف (وهو ثاني أكسيد الكربون المجمّد بدرجة حرارة 78-) أو أيوديد الفضة، وذلك لتخفيض حرارة السحب الباردة مما يحوّل المياه إلى بلورات ثلج. تحتاج هذه الطريقة إلى طائرة أو صاروخ أو أجهزة نشر من الأرض أو قنابل تُضرب بمدافع مضادة للطائرات لضخ هذه المواد في الغلاف الجوي. واكتًشفت هذه التقنية في الأربعينات من القرن الماضي.

وهناك أنواع من تلقيح السحب:

  • تلقيح السحب الساكن (Static cloud seeding): من خلال نشر تلك المواد الكيماوية في السحب.

  • تلقيح السحب الديناميكي (Dynamic cloud seeding): ويهدف إلى دعم تيارات الهواء الرأسية، وذلك لتحفيز مزيد من المياه أن تعبر خلال السحب، أي مزيد من الأمطار لكن هذه العملية أكثر تعقيدًا بكثير من تلقيح السحب الساكن، وتتكوّن من مراحل كثيرة، وأي نتيجة غير متوقعة في هذه المراحل، ستُفسد العملية بأكملها، لذا يصعب الاعتماد عليه.

  • تلقيح السحب الاسترطابي (Hygroscopic cloud seeding): وذلك من خلال نشر أملاح في الأجزاء السفلية من السحب عن طريق مواد متفجرة.

رغم أن الموضوع يبدو مثيرًا للاهتمام من باب القدرة على التحكّم في الطبيعة، إلا إن هناك اعتراضات على تلك التقنية وشكوك في فعاليتها:

  • قد تحمل الرياح هذه المواد إلى غير هدفها لتهطل الأمطار في مكان آخر غير المطلوب وتضيع الجهود هباءًا.

  • مازال هناك العديد من علامات الاستفهام حول مدى أمان التعرّض الطويل أو استهلاك هذه المواد على الإنسان والحيوان والنبات.

  • ماذا لو لم تكن الرطوبة كافية لهطول الأمطار؟

  • والأهم أن ذلك تدخّل في الطبيعة ويمكن استخدامه في الخير أو الشر.

وفي العموم  يشكك البعض في جدوى الاستمطار سواء من خلال تلقيح السحب أو من خلال التأيّن، والذي سنتحدّث عليه بعد قليل.

d-artificial-rain-ii

تستخدم هذه التقنية عدة دول في أماكن مختلفة من العالم، وأكبر نظام لتلقيح السحب في العالم يوجد في الصين، حتى أنها استخدمت هذه التقنية لتنظيف الهواء من التلوث قبل دورة الألعاب الأولمبية 2008 في بيكين. وأيضًا الهند التي أجرت عمليات تلقيح سحب في عامي 2003 و2004.

استخدمت أستراليا والولايات المتحدة أيضَا تلك التقنية. وبدأت فرنسا في استخدامها في الخمسينات من القرن الماضي. وتستخدم مالي والنيجر تلقيح السحب ولكن على مستوى محلي.

بالطبع في مكان مثل الوطن العربي يحتاج إلى المياه، استخدمت بعض الدول العربية تقنية الاستمطار، فكانت النتائج إيجابية في الإمارات في 2008، كما كانت إيجابية في السعودية، كما سجلت الأردن 13% في متوسط زيادة تساقط الأمطار بعد عشر مواسم ممطرة من إجراء تجارب الاستمطار.

الاستمطار والتأيّن

هناك طريقة أخرىلتلقيح السحب وهي التأيّن (Ionization). تعتمد هذه الطريقة على إطلاق أيونات (جزيئات مشحونة) لترتبط بنواة التكثيف في السحب (نواة التكثيف هي جزيئ يتكثّف حوله بخار الماء في الغلاف الجوي)، ما يجعل هذه النواة تبقى مدة أطول في الغلاف الجوي. وكلما بقت هذه النواة مدة أطول، كلما زاد الوقت الذي تنمو فيه قطرات المياه عليها.

بالفعل استخدمت الإمارات أجهزة تأيّن يمتد الواحد منهم لـ10 أمتار في الهواء، في خمسة مواقع. يستخدم كل جهاز 500 وات من الطاقة الكهربائية. ولكن مازالت هناك شكوك حول فعالية ذلك.

هناك محاولات أخرى من العلماء للوصول لطرق أخرى للاستمطار منها استخدام ليزر من نبضات قصيرة لتأيين جزيئات الأوكسجين والنيتروجين، حتى تكون نواة تكثيف طبيعية، ولتكون طريقة للاستمطار صديقة للبيئة كذلك. كما اكتشف العلماء ميكروبات تحفز تكوين الثلج عند درجة حرارة قريبة من الصفر، وهي في الأساس تستخدم تلك القدرة لكسر جدران الخلية لدى النباتات لإنها ميكروبات ممرضة.

استطاع الإنسان أن يسيطر على الطبيعة ومازال يطمح لمزيد من السيطرة. هذا الطموح بقدر ما هو مثير للإعجاب بقدر ما هو مريب. يثير الإعجاب عندما نحاول أن نتغلب على مشاكلنا بالعلم، ولكنه مريب لإن تاريخ الإنسان في السيطرة على البيئة لم يكن مشرفًا بالقدر الذي يجعلنا نطمئن لطموحنا ذلك!


المصدر:  cwb  science  nfsm  livescience  merriam-webste  undp  scientificamerican  nature

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى