.
ليه وإزاي؟

العقلية الهندسية وقود داعش؟!

كتب: أحمد حسين

سنة 2015 حصل حادث مُروّع في تونس اتقتل فيه38 سائح على واحد من شواطئ مُنتجع سوسة السياحي، بعد التحقيقات وإعلان الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) مسئوليتهم عن الهجوم ده، أعلنوا في وسائل الإعلام إن المجرم المسؤول عن الهجوم ده اسمه «سيف الدين رزقي»، شاب عنده 23 سنة، خريج كلية الهندسة قسم كهرباء.

داعش

الغريب إن كون سيف الدين إرهابي ومتخرج من كلية علمية زي كلية الهندسة في نفس الوقت ماكنش صدمة كبيرة للحكومة التونسية، أو إنه يكون خريج حتى أي الكليات التقنية والعلمية الأخرى، والكلام ده حسب تصريحات المتحدث الرسمي الأسبق لوزارة التعليم العالي في تونس «رحيم زريق». دي الوزارة عملت دراسة علشان تعرف نسب الطلبة اللي بيعتنقوا الفكر الجهادي المتشدد في الكليات، ونتائج الدراسة كانت إن النصيب الأكبر راح لكليات الهندسة والتقنية، تيجي بعدها الكليات العلمية الخاصة بالطب بفروعه المختلفة.

داعش والتفكير الهندسي والسمع والطاعة

في نفس السنة (2015) طرح الكاتب الإنجليزي «بول فاللي» في جريدة «الجارديان» سؤال: «لماذا يجتذب الجهاديون (الإرهابيون) طلبة الكليات العلمية كالطب والهندسة؟» سبب طرح سؤال زي ده إنه تقريبًا نص الجهاديين المجندين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حصلوا على تعليم عالي، وبحسب وثيقة «المجلس الثقافي البريطاني» فـ44% منهم حصلوا على شهادة في الهندسة، مش بس كده، في دراسة تانية وجدت إن 18 مسلم بريطاني تورطوا في هجمات إرهابية، 8 منهم درسوا هندسة وتكنولوجيا المعلومات، و4 درسوا علوم ورياضيات وصيدلية، وواحد بس درس علوم إجتماعية.

مارتن روز، مستشار المجلس الثقافي البريطاني في شئون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، قال إن الأمر مش صدفة، وإن داعش بتتغذى على عقولة طلبة الكليات دي، علشان دراستهم بتفشل في إنها تخلي التفكير النقدي جزء من شخصيتهم، بالمقارنة بالكليات اللي تخصصها الفنون مثلًا، صاغ روز مفهوم أطلق عليه «العقلية الهندسية»، وده -بحسب كلامه- هو اللي بيخلي طلّاب العلوم فريسة سهلة لداعش ومن على شاكلتها.

داعش

وقال إن كمان من ضمن الأسباب في ظهور العقلية الهندسية اللي بتكون فريسة سهلة لداعش، هو الطريقة المُتّبعة في التعليم في دول الشرق الأوسط، بمعنى إن التعليم في الدول دي خصوصًا في كليات الهندسة والطب، بيدعم ويشجّع التسليم والطاعة والتبعية والامتثال، بدل التفكير النقدي الحر، اللي بيسأل ويناقش ويفسّر، واللي طبعًا بيخالف طريقة الأبيض والأسود اللي داعش بتتبعها في رؤيتها لأي حاجة حواليها، منطق كل اللي ضدنا هو الأسود، وكل اللي معانا هو الأبيض، بوضوح شديد يعني مفيش مناطق وسط ولا فكر مشترك ولا تحليل أو نقد ولا حاجة، وبالمناسبة ده نفس اللي أشار له «تقرير الأمم المتحدة» اللي صدر سنة 2003.

وقود داعش

طيب، في هنا نقطتين الأولى ليه داعش عاوزة ناس مهندسين وأطباء؟ التانية ليه هما بقى بينضمّوا لها؟

السؤال الأول جريدة «لوفيجارو» الفرنسية عملت تقرير عنه، وقالت إن علشان داعش تنجح بمشروعها، فلازم تستقطب ناس عندهم العلم الكافي بأمور زي تشغيل محطات تكرير البترول وصنع المتفجرات والتكنولوجيا بشكل عام لاستخدامها في الدعايا، وكمان ناس يكون عندهم علم بالطب، علشان يعالجوا المقاتلين في صفوفهم.

طيب وإيه اللي بيخلي المنتمين للكليات العلمية اللي بنُطلق عليها «كليات القمة» ميّالين لداعش؟
في أسباب وظروف كتير، ممكن نبدأها بالأساس بالتربية، اللي بتبدأ بكلمات زي «هي كده» و«ماتسألش كتير» وده بيقتل أي تفكير نقدي في الطفل، والطفل ده بيكبر ويدخل المدرسة، ويدخل نفس الدايرة بس عن طريق المشي على تعاليم كتاب الوزارة، وطبعًا السمع والطاعة للمدرس والمدير والأعلى والأعلى من الأعلى في السلم الوظيفي وهكذا.

أما كلية الهندسة تحديدًا، فهي شبه معقل لكل المنتمين للفكر اليميني، اللي ممكن منه تتطرّف لداعش بسهولة، بس الفكرة مش بس في دول، الفكرة في طريقة التعليم اللي مابتسبش مساحات واسعة للإبداع، وبتقف عند نقط محددة بتمشي عليها علشان تنجح، حتى بعد ما تتخرج وتشتغل -وده عن تجربة- معظم أماكن الشغل مش هتخليك تُبدع وتبتكر، هتمشي على اسطمبات جاهزة، وبعد فترة هيتحول من عمل جديد لعمل رتيب شغل كل يوم شبه التاني.

داعش

هل ده معناه إن أي حد يدخل كلية الهندسة أو الطب، بالضرورة هيلتحق بداعش ويفجّر نفسه في المتاحف والمساجد وأي مكان يحبه؟

في الواقع لأ، لأن حكاية زي دي بيدخل فيها عوامل كتير منها طريقة التفكير ومستوى الثقافة ونوع التربية. يعني ببساطة لو حد متعود على طريقة التفكير بالسمع والطاعة، وثقافته ضحلة تمامًا سواء بالدين أو بالعلوم الإنسانية، ومابيبصش للي حواليه بنظرة ناقدة، ده هيكون صيد سهل جدًا لداعش، خاصةً لو في بيئة التربية فيها كان قوامها لهل والكراهية ونبذ الاختلاف، زائد بقى الوعد بأحلام كبيرة زي الفلوس والتمكين وحكم الأرض وغيره من الأمور اللي بتداعب نفوس الشباب والمراهقين.

ده ممكن يخلينا نستنتج، إن الأمر له عوامل كتير داخلة في نطاقه، التربية السليمة السوية والتعليم اللي بينمّى مهارات النقد والتفكير الحر، كل دي عوامل وجودها في أي منظومة هيقلل من احتمالات إنتشار داعش، أيوة في أجانب بينتموا لداعش، بس دول واقع عليهم نفس العوامل دي، يزيد عليهم كمان إما قهر ما من العيلة، أو قهر نفسي أدى لإصابته باضطراب شخصي أو نفسي، ما هو أصل مش طبيعي إن شخص متزن يروح يفجّر نفسه بإرادته في أي مكان فيه ناس بريئة ماحدش فيهم أذاه في شيء.

عمومًا، موضوع داعش بيشتبك في ذاته مع خيوط كتير ممكن في النهاية تؤدي له، التركيز هنا عن سبب انتماء الشباب من الكليات العلمية ليهم، ودول اللي اعتبره البعض وقود داعش، والشخصيات المهمة في التسويق والدعايا ليهم ولجهادهم المزيف ضد البشر كلهم، سواء بينتموا لنفس دينهم أو فكرهم لكن أقل تشددًا أو على أي مسافة أخرى، طالما مش معانا تبقى ضدنا، أو زي ما كانوا بيقولوا لنا في المدارس، طالما مش زي اللي موجود في كتاب الوزارة تبقى غلط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى