.
ليه وإزاي؟

عن الخوف من الموت: قليلٌ منه لا يضر!

كتب: أحمد حسين

من البداية، ونحن كبشر نحارب الموت بكل ما أوتينا من قوة وعلم، فالموت هو خط النهاية الوحيد الذي لا نتسابق للوصول إليه. يرتبط دائمًا الموت بالحزن، والأسى، على فراق الأحبة، وعلى نهاية حياة أشخاصًا كانوا في يومٍ من الأيام ملئ السمع والأبصار. لذلك، بقى الموت كواحد من الأشياء التي لا نحب التحدث عنها، بل ونخاف منها أيضًا.

عام 2004، تم افتتاح مقهى في سويسرا سُميَّ باسم ”مقهى الموت“، يذهب إليه الناس ليتحدثوا عن مخاوفهم وهم يتناولون القهوة، كأنهم يتحدثون عن مبارة بين إيطاليا والنرويج مثلًا!

صورة: death cafe

يقال، إن عدم رغبتنا في الحديث عن الموت، تُعتبر أدلة على خوفنا منه. لكن، بعيدًا عن وجود أدلة بسيطة لتأييد هذه النظرية. هناك مرحلة ما، من هذا الخوف، يتحول عندها المقدار ”الطبيعي“ للخوف إلى حالة مرضية، فما مقدار هذا الخوف الطبيعي؟

استنادًا إلى الأبحاث والدراسات، فإننا بالفعل نكره الموت أو نخاف منه، لأنه هو المسئول عن خسارتنا لمن نحبهم، لذلك، نكره فكرة موت أحبابنا، أكثر من فكرة موتنا. رجحت الدراسات أيضًا، فكرة أننا نخاف من المراحل التي تتبع الموت _الألم والوحدة_ أكثر من الخوف من الموت نفسه.

معظم من كانوا ضمن نطاق الدراسة، قالوا بأنهم يشعرون بالقلق تجاه الموت، لكنهم لا يخافونه. أما الأقلية، التي أكدت خوفها المرضى من الموت، تم تشخيصهم على أنهم مصابين بمرض ”الخوف من الموت – Thanatophobic“، ويحتاجون للعلاج.

على الجانب الأخر، تم اعتبار التصريح بأننا لا نكره أو نخاف الموت، ولكنه مجرد القلق منه فقط، هو مجرد نتيجة، لعدم رغبتنا في الاعتراف بخوفنا من الموت لأنفسنا وللآخرين. وبناءًا على هذه الفرضية، ظل الباحثون الإجتماعيون يفحصون لمدة 30 سنة التأثيرات النفسية والإجتماعية على الأفراد عند مواجهتهم بفكرة أنهم ليسوا خالدين.

عمومًا، فكرة معرفتنا أننا سنموت بشكلٍ عام، تدفعنا إلى أن نصبح أحاديين أكثر، بمعنى أننا نصبح وطنيين، عنصريين، متدينين، وعقابيين بشكل مبالغ فيه. شيئًا فشيء، نصبح أكثر تحيزًا للمجموعات التي نشبهها، ونصبح أكثر تحامُلًا على المجموعات التي تختلف عنّا. تذكيرنا بفكرة الموت تؤثر أيضًا على اتجاهاتنا السياسية والدينية، فتجعل اليساري أكثر يسارية، واليميني أكثر يمينية، والمتدين يصبح أكثر تطرفًا، والغير متدين يصبح أكثر تطرفًا في عدم تدينه.

صورة: Meg/Flickr

لكن هناك دائمًا في كل قاعدة مساحات رمادية من الاختلاف، فبعض البشر غير المتديين عندما يشعرون باقتراب الموت، يتجهون أكثر نحو الدين، باعتباره ملجأ لفهم الموت وتقبله، كما فعل وودي آلن، في فيلم (Hannah and her sisters)، عندما شعر أنه سيموت، فذهب إلى جميع الأديان والمذاهب، ليختار مذهبًا يطمئنه لفكرة الموت.

الخوف من الموت أيضًا يدفعنا لتخليد ذكرانا بأي شكلٍ كان. في الحضارات القديمة، خلد البشر ذِكراهم بكتاباتهم على الحوائط والكهوف وبناء المعابد والأهرامات وغيرها، فالإنسان يريد أن يقف ندًّا للموت، منذ نشأة الكون. أما الآن، فيميل معظم الخائفين من الموت، إلى تخليد ذِكراهم، عن طريق إنجاب ذرية لهم في الدنيا، أو تحقيق حلمهم بالشهرة.

فالإنجاب يُشعر بعض البشر بأنهم تركوا خلفهم من سيحيي ذِكراهم، فيشعرهم بأنهم لم يموتوا، وأنهم بالفعل استطاعوا تحقيق الخلود الذي يطمحون إليهم. هذا الكلام ينطبق على كل من يسعى إلى الشهرة أيضًا، فهو بذلك يُخلد اسمه في التاريخ، حتى يتذكره الناس دومًا، في حياته وفي مماته.

طرح الباحثون حلًّا يمكننا تنفيذه حتى نتمكن من الخروج من الحيز الضيق للخوف من الموت. الحل كان في العلاج بالتعرّض للشيء الذي يخيفك، لا أقصد بالطبع أن ترى الموت بعينيك، وإنما أن تتحدث عنه، وتفصح عن كل ما بداخلك من مخاوف، فهذا الأمر يجعلك أكثر تقبلًا، بعد فترة، لأي شيء تهابه، فكسر المحاذير والتابوهات، يبدأ من الحديث عنها.


المصادر:  sciencealert   theconversation  deathcafe  journals psycnet

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى