.
نوّرها

خلايا هنريتا التي لا تموت!

كتبت: يارا كمال

كلنا عارفين إن الخلايا بتموت، بس قبل ما بتموت بتنقسم ويبقى فيه خلايا غيرها وبالتالي احنا بنفضل عايشين؟ طب تفتكروا لو حد عنده مجموعة خلايا مابتموتش، يا ترى ده هيكون شيء كويس؟ ده معناه إنه هيكون عنده قدرة ما خاصة أو إنه هو شخصيًا هيكون خالد؟ طيب ده ليه أي فايدة بالنسبة لأي حد حتى؟

هحكي لكم حكاية عن خلايا اكتشفوا إنها ما بتموتش (حاجة كده زي دب الماء، فاكرينه؟ العلماء بينمّوا الخلايا العادية عمومًا في المعمل عشان يدرسوا إزاي الخلايا دي عايشة ويفهموا إزاي الأمراض بتصيبنا وبيجربوا على الخلايا علاجات جديدة من غير ما يعرّضوا المرضى للخطر.

عشان العلماء يتأكّدوا من نتايج تجاربهم بيفضلوا يعيدوها كتير ويقارنوها بنتايج العلماء التانيين عشان كده بيحتاجوا عدد كبير من الخلايا المتماثلة، اللي تقدر تنسخ نفسها لسنوات.

لحد سنة 1951، كل السلالات الخلوية البشرية اللي الباحثين حاولوا ينمّوها ماتت بعد أيام قليلة.

كل شوية تكتر .. تكتر .. تكتر!

وفي يوم من الأيام، فيه عالم اسمه ”جورج جاي“ جات له عينة من ورم شكله غريب عامل زي الجيلي كده، ولونه موف غامق. العينة دي كانت غريبة لإن كان في خلايا منها عمّالة تنقسم .. تنقسم .. تنقسم. جورج لقى إنه لما خلية منهم بتموت، بييجي مكانها أجيال من الخلايا من نفس النسخة، والنتيجة هي مصدر لا نهائي من الخلايا المتطابقة موجود لحد دلوقتي. وبكده أصبحت دي أول سلالة خلوية خالدة!

70259.adapt.768.1

لما ”جاي“ اكتشف الخلايا دي، سمّاها ”HeLa“ (هيلا) على اسم المريضة اللي طلع لها الورم الغريب دي: ”هنريتا لاكس“، واللي كانت عايشة مع جوزها وولادها الخمسة في بالتيمور، وماتت بسرطان في عنق الرحم.

الغريب بخصوص خلايا الست دي، إنه إيه اللي يخلى الخلايا دي بالذات اللي فضلت عايشة، في حين إن باقي الخلايا ماتت؟للأسف، مانعرفش لحد دلوقتي.

المفروض إن الخلايا البشرية العادية بتقدر تنقسم حوالي 50 مرة قبل ما تدمّر نفسها في عملية اسمها ”Apoptosis“ أو عملية موت الخلايا المبرمج، وده بيمنع انتشار الأخطاء الجينية اللي بتبتدي تزحف للخلايا بعد تكرار مرات الانقسام لكن الخلايا السرطانية بتتجاهل الإشارات اللي بتخليها تدمّر نفسها وتوقّف انقسام، بل على العكس دي بتنقسم بدون حدود وتزاحم الخلايا العادية.

لكن برضه، أغلب السلالات الخلوية بتموت في الآخر خصوصًا خارج الجسم، ما عدا خلايا الهيلا، ودي الحاجة اللي إحنا مش فاهمين سببها لحد دلوقتي.

لما ”جاي“ عرف إنه توصل لأول سلالة خلوية خالدة، بعت عينات لكل معامل العالم. الخلايا اللي في العينات دي بقت بتنقسم وتطلع 6 تريليون خلية في الأسبوع. العلماء بدأوا يستخدموا خلايا هيلا وابتدوا يعملوا فلوس ويحققوا مجد باستخدام الخلايا دي، من غير ما يستأذنوا عيلة هنريتا في استخدام خلاياها أو حتى من غير عيلتها ما تعرف وده لمدة عشرات السنين!

طيب، استفدنا إيه من الخلايا الخالدة دي؟

نرجع بقى للنقطة الأساسية بتاعة التجريب على الخلايا، وفكرة إنها بتموت قبل ما التجربة تكمل، وإن ده بيعرقل البحث. مثلًا، وباء شلل الأطفال كان في ذروته في أوائل الخمسينات. خلايا الهيلا كان سهل إنها تلقط الفيروس وتنسخه، وده سمح لـ ”جوناس سولك“ إنه يجرّب اللقاح اللي اخترعه ضد المرض ده. الخلايا دي اُستخدمت كمان في دراسة أمراض زي الحصبة والتهاب الغدة النكافية والإيدز والإيبولا.

احنا عارفين إن خلية الإنسان فيها 46 كروموسوم. عرفنا ده امتى؟ لما عالم كان بيشتغل على خلايا الهيلا، واكتشف مادة كيميائية بتبيّن الكروموسومات. خلايا الهيلا نفسها فيها حوالي 80 كروموسوم متحوّر.

بلاااااش. أول حاجة استُنسخت كانت خلية هيلا، وجربوا يبعتوهم الفضاء كمان. زائد إن خلايا الهيلا هي اللي خلتنا نكتشف الإنزيم اللي بيخلي خلايا السرطان ماتتدمّرش عن طريق إنه بيصلّح الـ DNA بتاعها، واللي اسمه ”التيلوميراز“، واللي اكتشفناه أول مرة من خلايا الهيلا برضه.

بفضل الخلايا دي، عرفنا إن اللي بيسبب سرطان عنق الرحم فيروس الـHPV، ودلوقتي بقى فيه لقاح ليه عشان يعالجه. من الآخر، الاكتشافات اللي اعتمدت على خلايا الهيلا، عملت آلاف الأبحاث العلمية ويمكن أكتر.

خلايا الهيلا خلايا مرنة جدًا ممكن تنتقل على أي سطح، سواء كان إيد شخص أو حتى ذرة تُرَاباية، وبتقدر تغزو الخلايا التانية وتسود هي. كل الاكتشافات اللي احنا وصلنا لها دي ماكناش هنوصل لها إلا بفضل ”هنريتا لاكس“، اللي أكيد ماكنتش تعرف إن شوية خلايا منها هيبقى ليها الأهمية دي.


المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى