.
نوّرها

الشخصية المتسلطة: كل الناس بتتدخل في حياة كل الناس بطريقة تضايق كل الناس!

كتبت: مها طـه

من فترة انتشر على السوشيال ميديا بوست بيتكلم عن واحدة ست دخلت محل أكل ما، وكان صاحب البوست موجود فيه وبياكل بيتزا بإيديه، وفجأة فوجئ بالست بتتدخل وتكلمه وتقوله ياريت تاكل بالشوكة والسكينة عشان اللي بتعمله ده اسمه همجية وقرف وإبني بيبص عليك وممكن يتعلم منك!

ناس كتير قابلت البوست ده بضحك وهزار، لكن الحقيقة بالنسبة لي كان له معنى كبير ويجب التوقف عنده للحظة والتفكير فيه، هو ليه أصلًا ممكن شخص يسمح لنفسه بالتدخل بالشكل ده في حياة غيره؟!

التفكير المتسلط  ونظرية الشخصية المُتسلطة

بعد الحرب العالمية التانية في مجموعة من علماء الاجتماع تساءلوا عن نوع الناس اللي ممكن تتقبل الأيدولوجية النازبة وتشارك في محرقة الهولوكوست، وعلى أساس أبحاثهم أصدروا كتاب بيحمل عنوان ”الشخصية المُتسلطة“ واللي نُشِر سنة 1950، وبالطبع زي أي نظرية اجتماعية فهي لازم تُصاحبها دراسات نفسية عشان نقدر نتوصل للنتيجة الاجتماعية في النهاية.

الشخصية المتسلطة ما هي إلا شخصية تم قمعها وتعرُضها للتسلط من أشخاص آخرين زي الأب والأم مثلًا، وبيبدأ الشخص مع كل مرة بيتعرض فيها للعقاب أو الأذى النفسي بسبب الشخص المُتسلط تتراكم جواه رواسب نفسية كبيرة، بتدفعه في النهاية لاحتمالات إن هو نفسه يصبح شخصية متسلطة.

ANDREY_POPOV / SHUTTERSTOCK

الشخصية المتسلطة هي بالضرورة شخصية معقدة، عندها ميل لإظهار وفرض ثقافة معينة على باقي الناس، وبالتالي إصدار الأحكام على الآخرين المختلفين، وده لإنهم بيشوفوا اللي هما مقتنعين بيه كحق بيّن، مفيش أي حد يقدر يخالفه، والمشكلة إنهم غالبًا بيتعاملوا بشئ من العدوانية وأحيانًا التوحش في مواجهة الأشخاص المختلفين!

علم النفس الإجتماعي ومع تطوره بدأ يعارض فكرة إن الأسباب كلها اللي بتؤدي في النهاية للحصول على شخصية مُتسلطة بتكون بسبب التربية والأسرة، لأن كمان في عوامل وظروف خارجية كتير بيتعرض ليها الفرد معظم الوقت، وممكن جدًا إنها تؤثر في سلوكياته وشخصيته.

علماء النفس قالوا إن المحيط الإجتماعي والظروف نفسها ممكن هي اللي تكون بتُمثل الضغط والتسلُط على الشخص، وبالتالي تدفعه لتكوين نفس الشخصية دي، وممارسة نفس السلوكيات لكن في محيط تاني يعتقد إنه الأضعف.

مثلًا شخص موجود ضمن مجموعة من الأصدقاء اللي عادتهم ياكلوا بالشوكة والسكينة بس، فبدأوا يتريقوا عليه ويقولوا له إنت لازم عشان تفضل صديقنا تاكل زينا، الشخص هيخضع لكنه بعد فترة من المواقف المختلفة، هيبدأ يروح البيت يفرض على أخوه الصغير نفس الحاجات، بحجة إنه ده هو الصح المُطلق.

ومع ذلك فالأشخاص المُتسلطين بيخافوا جدًا من التعرُض لانتقادات وبالتالي هما كمان بيتجنبوا مواطن الشك _من وجهة نظرهم_، دايمًا موجودين وسط جماعات كبيرة عشان يكون الرأي عام مش خاص.  بيعارضوا جدًا فكرة إن الأشخاص الجيدين _من وجهة نظرهم_ يكون عندهم عيوب زي ما عندهم مميزات.

الأشخاص دول غالبًا مش بيميلوا للعمل في السياسة أو مجالات الأنشطة الإجتماعية، ومع ذلك فهما بيُفضلوا جدًا فكرة اتباع القائد ”القوي“ أو ”الصالح“ من وجهة نظرهم.

21923_01250197490

طبعًا حضرتك وإنت بتقرأ المقال حالًا غالبًا جه في دماغك عدد من الأشخاص اللي تعرفهم بيعانوا من الحالات دي، لكن الحقيقة حضرتك نفسك ممكن تكون بتعاني من الحالة دي ومش عارف، لانه للأسف الشخصية المتسلطة مش بتشوف إن ده تسلط قد ما هو علم ببواطن الأمور وخفاياها، وبالتالي بيوجهوك للأصح!

أنواع الشخصية المتسلطة

من أشهر المقاييس المُستخدمة للتعرُف على نوع الشخصية المتسلطة ودرجتها هو مقياس كاليفورنيا واللي بيحاول يقيس مقدار التحيُز للافكار وجمود الفكر، وبيتقسم لتسع عوامل وهما :

  • التسلط بالتقاليد: وده غالبًا هتلاقيك قابلته كتير أوي، شخص بيعاني من الالتزام الصارم بالعادات والتقاليد المُجتمعية، ودي بيميل ليها أفراد الطبقة المتوسطة من المجتمع، ودول اللي بيربوا أولادهم على طاعة واحترام السُلطة سواء كانت سُلطة سياسية أو اجتماعية حتى.
  • الرضوخ التسلطي: وده نوع من القبول بسيطرة السُلطة والهجوم على الأفكار المُتمردة والمعارضة، اعتبره أبوك يا أخي!
  • العدوان التسلطي: وده ميل لإدانة كل من يخالف القواعد التقليدية، وغالبًا بيتم فرض الرأي عن طريق العنف سواء عنف جسدي أو لفظي. وده دايمًا بيكون شخص شايف كل التصرفات المخالفة ليه تصرفات غير لائقة، وماينفعش حد زيه صاحب خلُق ومبدأ يكون مع الأشخاص المختلفين دول.
  • رفض العاطفة: دول أشخاص بيرفضوا الضعف والعاطفة، بمعنى تاني بيميلوا للأشخاص المُعبرين عن القوة والسُلطة، زي مثلًا فكرة تفضيل بعض الأشخاص في علاقاتهم الاجتماعية لأصحاب النفوذ زي رجال الأعمال مثلًا عن الأساتذة الجامعيين.
  • الإيمان بالخرافات والنمطية: ودول أشخاص مؤمنين جدًا بالأمور الخفية والغيبيات، وبيعتقدوا إنها فعلًا حقائق، يعني مثلًا الأشخاص اللي ممكن يوقفوا حياتهم كلها عشان عرّاف قالهم حاجة سيئة هتحصل وهكذا بقى. الأشخاص دول ممكن يهاجموا بشدة المختلفين معاهم ويشوفوا إنهم مش بيتمتعوا بنفس السمو الروحي والعلم ببواطن الأمور.
  • القوة والسيطرة: ودول الأشخاص المُنشغلين دايمًا بالهيمنة والسيطرة على الآخرين.
  • السلطة التدميرية: ودول أشخاص بيميلوا للسخرية من باقي البشر المختلفين، وتدميرهم على الأقل على المستوى النفسي وممارسة التنمر مع الآخرين.
    اعرف اكتر عن: البلطجة الالكترونية: هنرازي فيك بسبب ومن غير سبب!

boys-laughing-and-pointing-at-african-american-boy-with-arms-crossed

الأشخاص المُتسلطين بيكونوا مهووسين بالسيطرة على عالمهم الداخلي والخارجي، فتلاقيهم دايمًا بيتعاملوا على إن كل حاجة سهلة وبسيطة لكنها في نفس الوقت غير مرنة وجامدة ولا تقبل أي حلول غير اللي هما شايفينها من وجهة نظرهم، ولازم الآخرين يلتزموا بنفس القيم والأخلاقيات والقواعد والعادات والتقاليد.

في النهاية الشخصية المتسلطة ما هي إلا نتاج لحلقة مُفرغة من التسلُط، وفي وسط المجتمع اللي بنعيش فيه حاليًا.  التسلُط هو السمة الأساسية، المدير في الشغل بيتسلط على الموظف، اللي بيروح البيت عشان يتسلط على مراته، اللي بدورها بتتسلط على أولادها، اللي بيمارسوا تسلطهم على اخواتهم الأصغر أو حتى على حيوان ما، وفي ظل منظومة عادات وتقاليد بتحكمنا، فللأسف كلنا وبشكل ما أو بآخر، عبارة عن شخصيات متسلطة.


المصادر: britannica   psychologistworld  psychology  jstor

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى