الطفرات الوراثية: عندما يأتي المرض من الداخل!
كتبت: مها طـه
اتكلمنا في المقال الأول من الملف عن الطفرة وأنواعها وأسباب حدوثها، وعن كونها نادرة لأنها غالبًا لو حصلت بينتُج عنها أمراض. في المقال هنا هنتعرف على مجموعة من الأمراض دي بشكل أكبر. الطفرات المؤدية للإصابة بالأمراض دي بتنقسم لطفرات جسدية، أو الطفرات اللي بتحصل في خلايا الجسم وطفرات جنسية أو طفرات اللي بتحصل في الأمشاج الجنسية _الحيوانات المنوية والبويضات_.
في الحقيقة مش كل الأمراض الجينية بتكون خطيرة أو بمعنى أدق مميتة وبتتراوح فعليًا في مدى خطورتها، في منها بس اللي بيوقف عمل جين معين فيصيب الإنسان بمرض كنتيجة لده، زي مثلًا الإصابة بمرض السكر من النوع الأول، واللي بيتسبب فيه خلل في الجين المسئول عن إفراز الإنسولين في الدم أو مرض عمى الألوان واللي بيحصل فيه خلل في المخاريط _تراكيب في العين مسئولة عن تمييز الألوان_ كنتيجة لخلل جيني، وبالتالي الشخص المُصاب بعمى الألوان بيبقى مش قادر يميز الألوان الأساسية (الأحمر والأخضر والأزرق).
الطفرات الوراثية: عندما يأتي المرض من الداخل!
لكن الأمراض اللي هنستعرضها في المقال ده بتعتبر من الأمراض الخطيرة، واللي الخلل فيها بيكون كبير ومؤثر على حياة المُصاب بيها ويمكن المحيطين بيه كمان وبشكل كبير كمان، وهنا هنقسمهم لنوعين: طفرات جينية _بتحصل على جين معين_، وطفرات كروموسومية _بتحصل عن طريق زيادة أو نقص كروموسوم_.
أولًا: الطفرات الجينية
الهيموفيليا أو مرض نزف الدم:
ده خلل بيحصل للجين المسئول عن تجلط الدم، وبالتالي الشخص المُصاب بالهيموفيليا بيعاني من سيولة في الدم، بتخليه لو اتعرض لجرح أو عملية جراحية ما، ممكن النزيف يفضل مستمر ولفترات طويلة، ولأن الهيموفيليا زيها زي أي مرض جيني، ناتج عن طفرة وراثية، فهي مش بتبقى عند كل المصابين بيها بنفس الدرجة، يعني مثلًا الأشخاص المصابين بنزف الدم في صورته الحادة، ممكن النزيف يحصل كمان جوا المفاصل والعضلات نفسها.
الهيموفيليا ليها أنواع، كل نوع منهم بيتصنف على أساس الجين اللي أصابه الخلل، لأنه في النهاية مفيش وظيفة في الجسم بيقوم بيها جين معين واحد لكن في النهاية أي وظيفة أو صفة هي مُحصلة مجموعة من الجينات اللي بتشتغل مع بعضها بشكل متكامل.
الجينات المسئولة عن تجلط الدم واللي في الحالة دي حصلت فيها الطفرة، بتكون موجودة على الكروموسوم (X)، وده بيُعتبر الكروموسوم المسئول عن الحياة في أي كائن حي، ومفيش كائن حي أيًا كان ممكن يعيش من غيره، أنثى الإنسان بيكون تركيبها (XX)، يعني هي عندها نسختين من الكروموسوم ده، أما الذكر فبيكون تركيبه (XY)، وبالتالي عنده نسخة واحدة بس.
مرض نزف الدم بيُصنف كصفة مرتبطة بالجنس، فهو غالبًا بيصيب الذكور أكتر من الإناث، لأن تركيب الأنثى (XX)، وبالتالي فهي محتاجة إن الخلل الجيني يحصل على الكروموسومين مع بعض، أما الذكور تركيبها (XY)، ولأن عنده X واحدة بس، فأي خلل هيحصل هيظهر المرض على طول. الجدير بالذكر إن المرض ده مالوش علاج لحد دلوقتي، وغالبًا بيكون التعامل معاه من خلال أدوية بتحفز تجلط الدم، وأن الطفرة المُسببة للمرض ده، بتتنقل من جيل للتاني.
التوحد (ASDs):
اضطرابات طيف التوحد (ASDs)، أو المعروف باسم التوحد، وده عبارة عن مجموعة كبيرة من اضطرابات النمو، اللي بتتميز بضعف في التواصل الإجتماعي، ومشاكل في التواصل اللفظي وغير اللفظي كمان، ووجود مجموعة من السلوكيات اللي بتتكرر بشكل كبير.
اضطرابات طيف التوحد بتختلف في درجتها، وفي تشخيصها طبيًا كمان، وبيعتبر التوحد من أكتر اضطرابات النمو اللي بيتم تشخيصها في الأطفال، وبيصيب الأولاد بمعدل أربع مرات أكتر من البنات.
التوحد من الأمراض اللي العلماء لحد دلوقتي مش متأكدين تمامًا من أسبابها، لكنهم بيعتقدوا إنها بتكون لأسباب جينية وبيئية في نفس الوقت، وكما إنه لحد دلوقتي مالوش علاج محدد، لكن يمكن السيطرة عليه، ومنع تطوره لو تم اكتشافه في سن صغير.
ثانيًا: الطفرات الكروموسومية
متلازمة داون أو البله المغولي:
مؤخرًا بس بدأ الناس يعرفوا الاسم العلمي لمتلازمة داون والمشهور أوي باسم ”الطفل المنغولي“، وده لأن الأشخاص المصابين بيه بيبقى ليهم شكل مميز، ملامح الوجه عندهم وخصوصًا العين، بتكون فيها تنية جلدية وبتكون ضيقة.
متلازمة داون بتحصل نتيجة خلل في الكروموسوم رقم 21، وبتصيب 1 من بين كل 800 طفل في العالم. الإنسان الطبيعي بيكون عندي 46 كروموسوم، 44 كروموسوم جسدي، وكروموسومين جنسيين (XX أو XY) على حسب الجنس، الكروموسومات بتترتب بأرقام من 1 لـ23، بحجيث إن كل رقم يعبر عن زوج من الكروموسومات.
في أثناء تكوين البويضات والحيوانات المنوية، بيحصل انفصال بين الكروموسومات في كل خلية، عشان كل مشيج ياخد نسخة واحدة من الكروموسومات دي، عشان لما يقابل المشيج اللي هيندمج معاه، يرجع العدد الكروموسومي تاني لعدده الكامل.
في حالة داون بقى، في أثناء الانقسام اللي بيحصل لتكوين الأمشاج، فيه نسخة مشيج من الاتنين مابيحصلش فيها انفصال للزوج الـ21، وبالتالي لما بيتولد الجنين ده، بيبقى عنده 3 نسخ من الكروموسوم 21، بدل نسختين بس، وهو ده سبب التغير في الشكل وكمان سبب الإصابة بأعراض متلازمة داون.
مريض داون ممكن يبقى ذكر أو تبقى أنثى عادي، لأنه مالوش علاقة بالكرمومسومات الجنسية. أهم أعراض متلازمة داون بتبقى عبارة عن صعوبات في التعلم، تأخر عقلي، وضعف عام في العضلات عند الأطفال، وبيكونوا كمان أكثر عُرضة للإصابة بعيوب خلقية في القلب، ومشاكل في الجهاز الهضمي زي ارتجاع المرئ، والاضطرابات الهضمية، بالإضافة لانخفاض نشاط الغدة الدرقية، وده اللي بيخلي عدد كبير من المصابين بمتلامة داون بيعانوا من السمنة.
متلازمة كلاينفلتر:
الحالة دي وبالرغم من إنها ممكن تكون مش مشهورة بالاسم ده، لكنها من أشهر الحالات اللي بتُصنف كمثال للطفرات الجنسية المُسببة للأمراض في البشر. الحالة دي دايمًا بتُصيب الذكور، وفي الحالة دي بيكون فيه كروموسوم (X) زيادة، يعني الذكر ده تركيبه (44 + XXY)، وبالرغم من إنه هنا عدده الكرموسومي الإجمالي هو 47، إلا إنه مختلف تمامًا عن داون.
أشهر ما يميز ذكر كلاينفلتر، إنه بيكون عقيم، الخصيتين والقضيب عنده حجمهم أصغر من الطبيعي، شعر الإبط والعانة والوجه عنده بيكون متفرق، وبيعاني من نمو الثدي بعض الشئ، شكل الجسم بيكون طويل لكنه غريب، النصف اللي فوق قصير أوي، والرجلين طوال.
كل الأعراض دي بيكون سببها تضارب عمل الهرمونات، هرمونات الأنوثة اللي بيحفزها وجود (XX) في تركيبه، مع عمل هرمونات الذكورة، بسبب وجود الكروموسوم (Y)، المرض ده ممكن يتشخص من الطفولة، لكنه أحيانًا بيتم إهماله، والشخص المُصاب ممكن ميكتشفش ده غير بعد البلوغ.
متلازمة تيرنر:
على عكس حالة كلاينفلتر، فمتلازمة تيرنر بتُصيب الإناث بس، وبيكون في الحالة دي في نقص في كروموسوم (X)، يعني تركيب أنثى تيرنر هو (44 +X)، هنا الأنثى دي عندها الكروموسوم اللازم للحياة، لكنها في الحقيقة معندهاش الكروموسوم الجنسي (X).
أنثى تيرنر بتكون أقصر من الطبيعي، وطبعًا بتكون عقيمة، وده لعدم وجود الكرموسوم الجنسي عندها، واللي بيؤدي لعدم وجود وظيفة للمبيضين من الأساس، ده بالإضافة لوجود تشوهات في الهيكل العظمي، والقلب ومشاكل في الكلى، غير جلد الرقبة واللي بيكون سميك وعريض بشكل ملحوظ.
كل الأمراض دي نتجت بسبب خلل ما في أثناء انقسامات حصلت للخلايا، سواء كانت خلايا جنسية أو جسدية، لكن السبب وراها مش دايمًا بيكون سبب طبيعي، ولا هو مجرد خطأ بيحصل في أثناء نسخ الـDNA أو تكوين الحيوانات المنوية والبويضات. وعليه زي ما الطفرات ممكن تكون اتسببت في أمراض لعدد من البشر، فهي كمان كانت السبب في إن في مجموعة تانية من البشر تمتعوا بقوى خارقة كانت زي ما اتكملنا في المقالين اللي فاتوا من ملفنا، قوى كان من شأنها إنها تحافظ على حياتهم وتساعدهم يتكيفوا مع البيئة اللي عايشين فيها.
المصادر: