.
ليه وإزاي؟

إلى اللانهائية وما.. هو إيه اللي بعدها؟

كتب: أحمد حسين

تقريبًا معظم الناس اللي عايشين على كوكب الأرض شافوا فيلم ”حكاية لعبة – Toy Story“، واللي ماشافش الفيلم أكيد سمع مرة من حد من أصحابه جملة ”باظ يطير“ أحد شخصيات الفيلم اللي اتشهر بيها ”إلى اللانهائية.. ومابعدها“. شرح بسيط لشخصية ”باظ يطير“ للي ماعندوش أي خلفية عنها: باظ يطير لعبة بتمثل شخصية رائد فضاء جاي من درب المجرة منطقة النجوم الخمسة وبيحارب قوى زورج الشريرة. باظ في الحقيقة مابيعرفش يطير، لأنه مجرد لعبة في النهاية، بس هو مقتنع إنه ممكن يطير إلى اللانهائية وما بعدها، هو حر في قناعاته طبعًا، بس هي الفكرة بقى:

يعني إيه اللانهائية؟ وهل في حاجة بعدها، طب إزاي؟

مبدئيًا، اللانهائية (Infinity) ده مصطلح بيطلق على أي شيء سرمدي كده مالوش نهاية، ممكن نقول إنه عامل زي شارع طويل دخلت فيه وفضلت ماشي لحد ماتعبت وماوصلتش لأخره ولا بقيت عارف فين أوله، ده بالنسبة لك أصبح شارع لانهائي. مصطلح اللانهائية بيستخدم بشكل كبير في الرياضيات، للتعبير عن مصفوفة الأرقام اللي هي مصفوفة مالهاش نهاية، بمعنى إن الإجابة على سؤال ”هو إيه آخر رقم في الدنيا؟“ مش موجودة أساسًا.

في جملة شهيرة _إلى حدٍ ما_ بين مدرسين الرياضيات وهي جملة ”الأعداد الزوجية تساوي عدد الأعداد المعروفة كلها“. خلينا نحاول نشرح الموضوع ده ببساطة: تخيل إن عندك مجموعتين فيهم عدد متساوي من حاجتين، صعبة؟ ابسطها لك، إيدك اليمين وإيدك الشمال مش دول مجموعتين؟ مش دول فيهم صوابع؟ مش عدد الصوابع متساوي (خمسة في كل إيد)؟ تعالى نتخيل إن أنا مش عارف إنهم نفس العدد، يكفي إني أقرب الإيدين من بعض علشان أعرف إن العدد متساويين، لأن كل صباع لازم هيواجه صباع في الإيد التانية وبكده الاتنين هيبقى قد بعض في العدد بالظبط.

تخيل بقى الموضوع ده على حاجة أكبر، مسرح مثلًا أو سينما، السينما دي فيها عدد كراسي معين، ليكن 60 كرسي، لو رايح أحجز تذكرة وعرفت إن الحفلة كومبليت (مكتملة العدد يعني)، هل هيكون صعب عليا أعرف هو في كام شخص حجز في السينما؟ لا طبعًا، أكيد هيبقى في 60 شخص حجزوا في السينما. طيب تعالى نتخيل إن أنا مش عارف إن السينما فيها 60 كرسي، وعرفت إن العدد كامل، من غير ما أحاول أخمن، أكيد عدد الناس اللي جوا السينما مساوي لعدد الكراسي، حتى لو أنا مش عارف العدد كام بالظبط.

ده معناه، إن عدد الأرقام الزوجية، بالرغم من كونه جزء من الأعداد كلها، إلا إنه ممكن فعلًا يكون بيساوي الأعداد كلها. إزاي؟ ممكن تجيب ورقة وتكتب عليها الأرقام من واحد لعشرة، واكتب تحتهم ضعفهم، هتطلع النتيجة كلها أرقام زوجية مساوية للأرقام اللي فوقيها، وممكن تعمل كده من واحد لحد 1000 مش عشرة بس.

طيب هل الأرقام دي هي الأرقام الوحيدة اللي ممكن نقيس بيها فكرة اللانهائية؟ لا طبعًا، في أرقام تانية زي الكسور، بس هل نقدر فعلًا نعمل بيهم مصفوفة أو قائمة زي الأرقام الزوجية كده؟ جورج كانتور عالم الرياضيات الألماني في القرن التاسع عشر عمل كده بطريقة ذكية جدًا.

جورج كانتور جمّع كل الأرقام اللي فيها كسور (1/1 و2/1 و3/1) وهكذا، وبعدين بدأ يرصهم ورا بعض عن طريق تجميعهم بشكل معين كده، وتجاهل كل الأرقام اللي بتساوي واحد (2/2 و4/4 إلخ..)، بحيث تكون الأرقام بالشكل ده (1/1 و1/2 و2/1 و3/1)، وكتب الأرقام من واحد لعشرة، وكتب تحتهم ما يقابلهم من أرقام الكسور، ولقى إن الموضوع ماشي صح وكل رقم يقابله رقم كسر إلى مالانهاية.

يعني كده الأرقام كلها لانهائية؟ قال لك أيوة، بس في أرقام لانهائية أكبر من اللانهائية اللي نعرفها! إيه الكلام ده؟ الكلام ده يخص الأرقام غير النسبية أو غير الجذرية (Irrational Numbers). أشهر مثال عليها هو رقم (Pi) واللي بيساوي 3.141592.. إلى مالانهاية. طيب ممكن نعمل مصفوفة من الأرقام العادية تقابلها مصفوفة من الأرقام غير الجذرية؟ الإجابة لأ.

السبب في ده إن الحصول على كل الأرقام غير الجذرية بالترتيب هو أمر شبة مستحيل، لأن القائمة اللي هتعملها للأرقام دي غالبًا هتكون مش كاملة. جورج كاونتر قال إنه مش ماعرفش يعملها، لا ده مستحيل إن حد يعملها أصلًا، لأنك كل ما تجمع أكبر عدد من الأرقام غير الجذرية، هتلاقي رقم أكيد مش موجود في القائمة اللي هتجمعها دي.

لو حسيت إنك مش فاهم الكلام ده، ماتقلقش، العلماء اللي عاصروا جورج برضه مافهموش وقالوا إن ده كلام فارغ ومالوش أساس من الصحة وهاجموه، لدرجة إنه أصيب باكتئاب وفضل طول حياته يصاب بنوبات اضطراب عصبية. أفكار جورج كانت فعلًا صعبة في الزمن ده _وحتى الأزمان اللي أعقبت الزمن ده_، حتى إنه عمل فرضية اسمها ”الفرضية الاستمرارية – Continuum Hypothesis“ ودي بتقول إن في أرقام لانهائية برضه بتقع مابين الأرقام الكاملة اللانهائية والأرقام غير الجذرية اللانهائية.

ديفيد هيلبرت، عالم الرياضيات المشهور، قال إن الفرضية دي تكاد تكون هي أهم الفرضيات في عالم الرياضيات المنطقي اللي مالهاش حل لحد دلوقتي. وده ماكانش رأيه لوحده، في مثلًا العالم ”كيرت جودل“ اللي قال إن ماحدش يقدر يثبت إن الفرضية خاطئة، وبعده جيه العالم ”بول كوهين“ اللي قال إن ماحدش يقدر يثبت إن الفرضية صحيحة، والاتنين كانوا صح، الفرضية لحد دلوقتي مالهاش حل.

يعني حتى الرياضيات، العلم الوحيد اللي بيقترب من المنطق بشكل أو بأخر، طلع هو كمان له حدود. بس استنى، له حدود يعني نهائي؟ ولا علشان دي آخر حدودنا فهنعتبره نهائي وهو في الأصل لا نهائي؟

لو حاسس إن الموضوع مُعقد، فهو فعلًا معقد دي مفيهاش كلام، الأمر ومافيه إن السؤال اللي بيتم طرحه ساعتها، بيكون غالبًا سؤال صعب ومش منطقي بالنسبة لنا، إيه اللي ممكن يكون بعد اللانهائية؟ ولو في حاجة بعدها، هل ده معناه إن الحاجة دي نهائية؟ زي الكون مثلًا، هل الكون ده نهائي ولا لأ؟

تعالى نتخيل إن الكون نهائي، عارف إيه اللي ممكن يحصل لو الكون نهائي؟ أغلب العلماء بيظنوا إنه كل ما هينتهي هيعيد نفسه تاني، بنفس ترتيب الأشياء، زي نظرية العود الأبدي بتاعت نيتشه، اللي بيقول فيها إن حياتنا كلنا كبشر بتتعاد بشكل دوري كل شوية، زي شريط السينما اللي بيفضل شغال على طول.

الحقيقة إنه ماحدش عارف هل في لانهائية ولا دي هي آخر حدودنا أو آخر ما استطعنا الوصول إليه، ماحدش عارف حتى لو في لانهائية إيه اللي ممكن يكون بعدها، حتى باظ يطير نفسه، اللي دايمًا بيتطلّع لأنه يطير إلى اللانهائية ومابعدها، طلع مجرد لعبة، ومابيطيرش أصلًا، هو بيقع، بس وقوع بشياكة!


المصادر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى