الزواج الأحادي: أنثى واحدة تكفي “أحيانًا”!

كتبت: مها طــه

أنا من جيل التسعينات اللي كانت فترة مراهقته بتوافق أوائل الألفينات، يعني فترة بداية الانفتاح على العالم والقنوات الفضائية وكتب مكتبة الأسرة والأدب العالمي وانتشار مصطلح “أدب الشباب”، وسلاسل رجل المستحيل وروايات مصرية للجيب وغيرهم كتير أوي، وبما إني كنت “دودة قراية” زي ما بيقولوا كنت باقرأ كل ما تقع إيدي عليه في كل المجالات.

وفي واحد من الكتيبات اللي كانت موجهة للشباب وقتها، قرأت ولأول مرة عن سبب إباحة التعدد للرجل وعدم إباحته للمرأة، أفتكر إن الكلام وقتها كان اللي كاتبه طبيب بشري، وقال إن السبب هو إن الذكر جيناته بتدفعه للتعددية (polygamy)، بينما المرأة جيناتها بتدفعها للزواج الأحادي (monogamy)، وإن حتى الحيوانات بتتزاوج على هذه الفطرة فإيه المشكلة؟!

الزواج الأحادي .. هل أنثى واحدة تكفي؟

الزواج الأحادي “monogomy” هو أحد أشكال العلاقات اللي فيها بيكتفي الفرد بشريك واحد على مدار حياته. السلوك ده بيتخذ أشكال مختلفة منها: شكل اجتماعي وشكل جنسي. أما الزواج المتعدد “polygamy” علميًا بيطلق على الجمع بين عدد من الأزواج/ الزوجات في نفس الوقت، واللي بيطلق عليه علماء الاجتماع مصطلح “التعدد”.

• الزواج الأحادي في الطيور:

غالبًا ممكن تكون قابلت كلام على السوشيال ميديا عن الوفاء والإخلاص والاكتفاء بشريك واحد مدى الحياة، وكدليل على الكلام ده بنحط صورة بجع عامل قلب، لأن البجع من أشهر أمثلة الحيوانات (الطيور) اللي بتطبق نظام الزواج الأحادي وبتكتفي بشريك واحد.. والكلام ده حقيقي، لكنه مش دقيق 100%.

حوالي 90% من أنواع الطيور بتتزاوج بنظام الزواج الأحادي، بمعنى إن أنثى وذكر بيرتبطوا ببعضهم بشكل يشبه الزواج عندنا كبشر، وبيعيشوا سوا لعدد من مواسم التكاثر أو ممكن مدى الحياة. لكن هنا لازم نوضح إن الزواج الأحادي زي ما قولنا له أنواع، والنوع الأكثر شيوعًا منه هو النوع الاجتماعي.

الزواج الأحادي الاجتماعي بيشير لدور الذكر في رعاية الصغار. يعني مثلًا في معظم أنواع الطيور المغردة، الذكر بيدافع عن العش والمنطقة المحيطة بيه، بيعتني بشريكته ويوفر الطعام ليها في فترة الحضانة (الرقد على البيض)، وبعد ما البيض يفقس هو اللي بيقوم بإطعام الصغار، وفي بعض الأنواع اللي فيها الأنثى والذكر شبه بعض، ممكن الذكر كمان هو اللي يرقد على البيض.

طبعًا السلوك ده جميل جدًا ومثير لينا كبنات حواء عشان نقول الله، شوف بيساعدها ويحبها ويرقد على البيض مكانها ومخلص ليها، وهنا بقى لازم ناخد بالنا إن النوع الاجتماعي من الزواج الاجتماعي مختلف عن النوع الجنسي وده أقل شيوعًا. إزاي هتعرفوا دلوقتي.

الاختبارات الوراثية للطيور المغردة وحتى في الأنواع اللي بتتبع نظام الزواج الاحادي أثبتت إن مش بالضرورة إن الذكر اللي بيقوم بإعداد العش وكل اللي ذكرناه فوق ده، يكون هو الأب البيولوجي للصغار الموجودين في البيض، والعكس كمان صحيح. يعني أيوه أحيانًا بيكون في بيض موجود في عش بيرعاه ذكر معين، لكن الأنثى اللي وضعته مختلفة عن اللي الذكر ده مرتبط بيها.

اعرف أكتر|  إيه اللي يحصل لو كان عندنا نفس طقوس الزواج عند الحيوانات؟!

• الزواج الأحادي في القشريات:

السلوك ده بيعتبر شائع إلى حدٍ ما بين القشريات، وكمثال هنلاقي جمبري المانتس هو الأوضح، لأنه بيمارس نظام الزواج الأحادي بالحرف، بيختار شريك واحد ويشاركه كل حاجة، الأكل والمكان وتربية الصغار وبيفضل معاه لباقي عمره.

طبعًا وللأسف مش حابة أبدًا أبوظ اللحظة الرومانسية دي، لكن ده برضة بيحصل لسبب واحد، إن جمبري المانتس بيحب يتجمع في الشعب المرجانية بعيد عن الحيوانات المفترسة، وبالتالي هو مش عايز كل شوية يخرج يدور على شريك للتزاوج، ولأنه بيميل لنمط الحياة الآمن المستقر، بيفضل وجود شريك واحد يعيش معاه باقي عمره.

• الزواج الأحادي في الثدييات:

من بين أكتر من 5000 نوع من الثدييات، حوالي من 3 – 5% بس من الثدييات اللي بتميل لنظام الزواج الاحادي الاجتماعي اللي شرحناه. غالبيتهم بيكون التزاوج ده لمدة طويلة في حياتهم، لكنه نادرًا ما بيكون مدى الحياة. أشهر أمثلة الزواج الأحادي مدى الحياة في الثدييات فأر البراري، اللي بيرفض تمامًا التزاوج من أي أنثى ما عدا الأنثى الأولى في حياته.

الأنواع التانية من الثدييات اللي بتمارس الزواج الأحادي، عادةً بتكتفي بشريك واحد طالما كان عايش، لكن بمجرد وفاته بتدور على شريك جديد زي الذئاب. السلوك الأحادي ده بيتم عادةً في المجموعات الحيوانية اللي بتحتوي على عدد قليل من الإناث، على عكس الجماعات اللي بتحتوي على أعداد كبيرة وبينتشر فيها التزاوج المتعدد.

في بعض الأنواع بيكون السلوك ده اختياري، يعني الذكر مش ملتزم بأنثى واحدة لكنه بيفضل مع واحدة بس، وهنا برضه مفيش أي شبهة رومانسية في الموضوع، هو بيعمل كده عشان مش لاقي فرص تزاوج تانية متاحة وأحسن، والنوع ده نادرًا ما بيقوم بأدوار رعاية أبوية تجاه الصغار أو بيقضي وقت مع عائلته.

وأحيانًا بيكون الزواج الأحادي من النوع الإجباري، وفيه الذكور والإناث بيعيشوا في نفس المكان ومتقدرش الانثى تقوم لوحدها بواجبات التربية ناحية صغارها، وبالتالي بتكون محتاجة المساعدة من الذكر.

هل الإنسان من ضمن ثدييات الزواج الأحادي؟

لأ، لكن البشر في العموم بيتبعوا الزواج الأحادي واللي فيه بيعتبر نوعين الزواج الأحادي الاجتماعي والجنسي حاجة واحدة. مع ذلك علماء النفس التطوري بيعتقدوا إن الرجالة أميل لممارسة الجنس مع شريكات متعددات. وده بيرجع لقاعدة تطورية موجودة عند أغلب الثدييات، وهي فكرة انتشار الجينات عن طريق تخصيب أكبر عدد ممكن من البويضات بالحيوانات المنوية لنفس الذكر، وبالتالي ضمان انتشار صفاته بشكل سريع وأعداد كبيرة.

أما الإناث، فمن الناحية التطورية برضة بيميلوا لفكرة اختيار الشريك المثالي الأفضل، بحيث يكون صاحب أفضل صفات ممكن توريثها للأجيال اللي جاية، ده غير بحث الإنثى في العموم عن شريك يقوم معاها بمهام التربية والاعتناء بالصغار وده مش بس في الإنسان لكن الحيوانات كمان.

وانطلاقًا من فكرة تربية الأطفال دي، حصل التطور في علاقات البشر بحيث إنها تكون أميل للزواج الأحادي. وده اللي عبرت عنه “جين لانكستر” عالمة الأنثروبولوجيا التطورية في جامعة نيو مكسيكو، بإن الأنواع البشرية تطورت بشكل يجعل من وجود الأطفال رابط في حد ذاته بيلزم الأبوين بمحاولة الالتزام بعلاقة زواج أحادي لضمان حياة أفضل لهم في ظل أبوين.

“دانييل كروجر” عالم النفس الاجتماعي والتطور في كلية الصحة العامة بجامعة ميتشيجان، قال إن البشر بينشأ بينهم ارتباط قوي جدًا، لأن الأباء بيستثمروا في أبنائهم وبتعتبر العلاقات بين الأباء والأبناء علاقات ممتدة اجتماعيًا، لكن حتى وجود الروابط القوية دي، لا يمنع كون البشر في العموم بيميلوا للتعدد.

اعرف أكتر| الخيانة فعل هرموني بحت

ولذلك علماء النفس والاجتماع بيعتقدوا إن فكرة الزواج الأحادي في البشر ناتجة من إحساسنا بالمسؤلية تجاه الأطفال، وإنها نظام اجتماعي أكتر من كونها شئ طبيعي في الجينات بيدفعنا للالتزام بشريك واحد مدى الحياة.

في النهاية، مقالنا مفيهوش أي نوع من أنواع التشجيع على التعدد، ولا حتى الدعوة لرفضه، لكنه طرح علمي لسؤال بيشغل ناس كتير وأنا منهم. وخلونا نقول إن الإنسان كائن معقد بيتدخل في صنع توجهاته واختياراته عوامل كتير، بيئية وجينية وفكرية، وأحد أهم القرارات اللي بناخدها في حياتنا بتكون اختيار شريكنا اللي بنقرر نكمل معاه حياتنا بغض النظر عن دوافع جيناتنا أو غريزة التكاثر بداخلنا.

المصادر:   livescience  phys  aaas  psychologytoday  ncbi  mentalfloss  frontiersin