الخرافة والديناتولوجي: إحنا اللي دهنّا الهوا دوكو (الجزء الثاني)
كتب: أحمد حسين
في المقال السابق، تحدثنا عن أصل علم الديناتولوجي وقدرات مؤسسه وعلاقته بالإعلام بشكل عام، أما في هذا المقال، فسنتحدث عن الديناتولوجي وعلاقته بالموهبة.
علم الديناتولوجي وجين الموهبة
يحدثنا مؤسس علم الديناتولوجي عن كتابه الذي قام بتألييفه لتعريف الموهبة، قائلا أن كل إنسان مخلوق وبداخله جين اسمه جين الموهبة (بالرغم من عدم صحة وجود جين مسئول عن الموهبة حتى الآن أصلًا)، وأن الموهبة تنقسم إلى 84 نوع، وأن لكي تحدد موهبتك تحتاج مدة قد تصل لخمسة أيام، فالعملية معقدة أشبه بالتحاليل الطبية، ويتم الوصول للنتيجة الهائة من خلال مجموعات من الأسئلة غير الاعتيادية.
أكمل مؤسس علم الديناتولوجي حديثه عن الموهبة، في أحد البرامج التليفزيونية، فقال أنها تظهر فجأة وبشكل تدريجي، وأنها موجودة عند كل البشر بحسب علم الديناتولوجي متحديَا علم النفس القائل أن 5% من البشر فقط موهوبين. حاولت البحث عن هذا الكلام للتأكد من المعلومة المذكورة لكنني لم أجد له أثرًا، فلم أعرف مَن مِن علماء النفس قد قال هذا الكلام، أوعلى أي أساس قيل؟
موضحًا الفرق بين المهارة والموهبة، يستطرد عالمنا الشاب مؤسس الديناتولوجي قائلًا بأن هناك جملة ”الإنسان وحيد الموهبة متعدد المهارات“ دون الإشارة لصاحب الجملة، ضاربًا مثلا للتوضيح بعدها بأن ”الموهبة للإنسان زي الموتور للعربية، مش العربية عندها موتور واحد؟ لكن عندها كام عجلة؟ أربعة صح؟ دول بقى هما المهارات“، شارحًا كيف أنه لا يحصر نفسه في مهنة واحدة تصف موهبته، بل يحصر نفسه في موهبة واحدة تصفه عن طريق عدد من المهن المختلفة، فموهبته _بحسب قوله_ هي البحث العلمي، وهذه الموهبه أهلته كي يكون كاتبًا ومحاضرًا ومقدمًا للبرامج ولم يحصر نفسه في كونه محاضرًا فقط أو كاتبًا فقط.
الفرق بين النحلة والجمل
متخذًا مقعد من يطرح الأسئلة، سأل صديقنا إحدى المذيعين فقال: ”هو انتوا مش هتسألوني إيه الفرق بين النحلة والجمل؟“، فعندما سألاه أجاب: ”الجمل بيتعب ويتركب ويتدبح علشان تستفيد الناس منه وياخد مقابل، أما النحلة فهي ”باشا“ تجلس في منزلها وتأتي بالرحيق من الزهرة كي تنتج عسلًا يمكن بيعه وبذلك تحصل على مقابلها بسهولة“. ولفت نظر المذيعان بمثالين يتحدثان عن الموظف الذي يعمل طوال الوقت كي يحصل على مرتبه، والفنان الذي يجلس في بيته طوال السنة ثم ينتج فيلمًا واحدًا ”يكسر الدنيا“، فيعود بالربح عليه دون عناء، ملخصّا لنا كتاب إيرني زيلنسكي ”اعمل أقل .. تنجح أكثر“ في جملة واحدة، وإن كانت تتهم مملكة النحل بالباطل بأنها كسولة!
المشكلة الرئيسية التي أرقتني، أنه لا أحد يسأل الأسئلة التي لابد وأن تتقافز لذهن الفرد العادي منّا عند محاورته لمؤسس علم الديناتولوجي، من الجهة العلمية التي أقرته علمًا من الأساس؟ أه، لا توجد إجابة لأن لم يهتم أحد بطرح السؤال على الشخص المعني بتأسيس هذا ”العلم“.
عندما شارك مؤسس علم الديناتولوجي في حلقة من برنامج السيناريست والكاتب الصحفي ”بلال فضل“ عندما سأله عن ما هي الخطوة الجادة التي يتمنى أن يتخذها بخصوص علم الديناتولوجي، ردّ عليه بأن يقوم بتدريسه كمادة علمية في جامعات مصر، وأنه _على حد قوله_ ”كان لازم يجربها الأول قبل ما يعرضها على حد“ وعندما أجرى تجاربه على علمه، حاول عرضه على وزير التعليم لكن لم يتم تحديد موعد معه بشأن هذا الأمر، كانت هذه الحلقة منذ خمسة أعوام تقريبا!
الديناتولوجي ووسائل التواصل الاجتماعي
بمحاولة البحث أكثر حول علم الديناتولوجي ومؤسسه، اكتشفت أن عدد متابعيه فيما يخص قناة الـ”يوتيوب” الخاصة به يتخطى الـ86 ألف متابع من جميع الدول العربية، وعدد متابعيه على الفيس بوك يفوق الـ54 ألف متابع! لكن التفاعل في كل موقع مختلف، فعلى الفيس بوك، يتم نشر صور المحاضرات والندوات وتفاصيلها دون الإشارة لسعرها (سابقًا كان يشير لتكلفة حضور الندوة، ولكن الخبرة تعلمنا أن لا يجب ذكر كل الأمور، وأن الغاوي ينقط بطاقيته على مايبدو، ولدرء الحسد كذلك فهي أرزاق)، أما تعليقات الأشخاص على المحتوى، فتنقسم إلى مؤيدين بل ومريدين، وعدد قليل من المنتقدين له.
أما على قناة اليوتيوب، فالمعلقين منقسمين بين مؤيد ومعارض وساخر على حسب مدى جدل المحتوى الذي يقدمه/يطرحه مؤسس علم الديناتولوجي في الفيديو. وبحسب المحتوى أيضًا تختلف أعداد المشاهدات، فأكثر الفيديوهات مشاهدة هي الفيديوهات التي تتحدث عن طرق مذاكرة قوية ومختلفة، أو محتوى ديني مثير للجدل، أما فيديوهات الحب قبل الزواج والقضاء والقدر في حياتنا، فتأتي في المرتبة الثانية.
الغريب في الأمر، أن مؤسس علم الديناتولوجي قبل عام 2012 كان يتحدث عن علم المعلومات، وطرق المذاكرة الحديثة، ومعرفة الموهبة الكامنة بداخلك، أما من منتصف 2012 حتى منتصف 2013، فكان حديثه عن الدين بشكلٍ مباشر، ويرد على شيوخ ينتمون لإتجاه ديني آخر معارضًا لبعض آرائهم، وبالمناسسبة، كانت هذه فترة انتشار له بين البرامج المختلفة بصفته شابًا عاقلًا واعيًا يزن الأمور بميزان العقل. بعد 2013، بدأ في التحول من “مؤسس علم الديناتولوجي” إلى “باحث في القرآن الكريم واستخراج هدى الكتاب المبين” بحسب تعريفه الجديد لنفسه على صفحته بالفيس بوك، وحتى الآن يقدم أحدث ندواته ومحاضراته _والتي وصلت إلى 120 محاضرة حتى عام 2012 فقط_ عن استخراج القوة والمعاني الموجودة في أسماء الله الحسنى، وإسقاطها على حياتنا بشكل عام.
وبعيدًا عن فكرة أنه تم دعوته من قِبَل العديد من الأنشطة الطلابية بالجامعات المصرية لعقد ندوات عن هذا العلم في الجامعات الحكومية والخاصة _بحسب كلامه_، وعن ما يحمله مثل هذا الأمر في طياته من مؤشرات مفزعة بالنسبة لكاتب هذه السطور على الأقل، فإن معدله الربحي _بحسب موقعه الرسمي_ يزداد 3 أضعاف سنويًا، بالرغم من أن كتبه المؤلفة لا تُباع في المكتبات العامة أو الخاصة، وإنما يمكنك الحصول عليها عن طريق حضور هذه الندوات أو الاتصال بمندوب لتوصيل هذه الكتب.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن عندما تتم استضافة شخص كمؤسس علم الديناتولوجي ومحاورته إعلاميًا في العديد من القنوات والصحف، وعندما تتم دعوته لعقد ندوات في أكثر من جامعة مصرية، وعندما يحضر له مئات من الأشخاص المناقشات والندوات التي يعقدها، ويتابعه عشرات الآلاف على الانترنت، السؤال هو أيكون هذا دليلا حيًا على نجاح نموذج “النحلة باشا” في مجتعاتنا من لا شئ، فقط لا شيء، سوى صناعة الوهم، و”تعبئة الهوا في أزايز” وبيعه؟
المصادر: drmichaeljoyner