عن ”الحمل والولادة“: شجرة الحياة تبدأ جذورها من الرحم!
كتبت: مها طه
غالبًا الحمل بيكون حدث سعيد بيستدعي المباركة، وبيبقى مصحوب بعدد من الدعوات للأم والجنين عشان يبقوا بصحة جيدة. فهمنا ومعرفتنا عن الحمل بتكون من خلال الثقافة الشعبية، الأمهات بينقلوا للبنات خبرتهم واللي البنات بتنقلها بدورها لبناتهم بعد كده، ده غير المعلومات العامة المتداولة ما بين البنات والستات في العموم.
اللى نعرفه عن عملية الحمل والولادة هو إنها مرحلة بتستمر 9 شهور في أخرها بتولد الأم طفلها لكن الحقيقة فهمنا للعملية دىي من الناحية البيولوجية ضعيف شوية، وعشان كده هناخدكم فى رحلة جوه جسم الأم من أول لحظة للحمل ولحد الولادة.
بدايـة الرحلة.. التقاء البويضة والحيوان المنوي
بداية الرحلة بتكون عبارة عن بويضة ناضجة بتخرج من المبيض، ويلتقطها قمع قناة فالوب عشان تستقر جوه القناة في انتظار الحيوان المنوىي اللي هيلقحها. التلقيح هو دخول الحيوان المنوي للبويضة دي، واللي بعده بيحصل اندماج ما بين نواة البويضة ونواة الحيوان المنوي، وفي الحالة دي بيحصل الإخصاب وبتتحول البويضة لزيجوت.
رحلة وصول الحيوان المنوي للبويضة بتبقى مليئة بالمخاطر، والحقيقة إن عدد ضخم من الحيوانات المنوية اللي بيتراوح عددها بين 20 و400 مليون حيوان منوي بيتعرض للهلاك فى أثناء الرحلة دي، اللى بيتمكنوا من الوصول للبويضة بيحاوطوها وبيحاولوا إنهم يخترقوا الغلاف المحيط بيها من خلال إنهم ”يدوبوا“جزء منه يسمح بإن الراس والقطعة الوسطى من الحيوان المنوي تدخل جوه البويضة. طبعًا لازم نعرف إن حجم البويضة أكبر من الحيوان المنوى بكتير، فالبويضة تقريبًا فى حجم حبة السمسم، لكن الحيوان المنوى لا يُرى بالعين المجردة.
أول ما بيحصل الاندماج ما بين البويضة والحيوان المنوي بيتكون الزيجوت، وبعد يوم واحد بيبدأ الزيجوت فى الانقسام. الخلية الواحدة بتبقى اتنين، والاتنين بيبقوا أربعة، والأربعة بيبقوا ثمانية، ثم 16 ثم 32 ومن بعدها تبدأ الانقسامات تتكرر بشكل متتابع وعشوائى، لحد ما نوصل لمرحلة ”التوتية“ بعد 7 أيام من الإخصاب،.فى أثناء الانقسامات دي الخلايا بتتحرك لحد ما التوتية بتنغمس فى بطانة الرحم، اللى بتبقى فيها إمداد دموي كبير استعدادا لاستقبال الجنين.
أثناء رحلة الحمل.. الخروج للحياة
مدة الحمل تقريبًا بتبقى 9 شهور أو الأصح إننا نقول 38 أسبوع، والمدة دى بيتم تقسيمها ل 3 مراحل من النمو الجنينى وهما:
المرحلة الأولى: بعد ما بتنغمس التوتية في بطانة الرحم بتنقسم ويبدأ تكوين وتمايز خلايا الجنين، وكمان بيبدأ تكوين المشيمة، واللي هتفضل موجودة طول شهور الحمل. فالمشيمة هي وسيلة حصول الجنين على الغذاء والفيتامينات اللي جسمه محتاجها، وهي كمان اللي ممكن تتنقل من خلالها الأمراض والكحوليات والنيكوتين للجنين. وظيفة المشيمة الأهم هي فى إفراز البروجيسترون بدايةً من الشهر الرابع عشان تحافظ على سمك بطانة الرحم، واللي فى حالة إنه قلّ عن المعدل الطبيعى بيحصل إجهاض غالبًا.
فى المرحلة دي بتتكون الأغشية الجنينية حول الجنين، وهما غشائين؛ الأول اسمه السُلى (chorion)، وده الغشاء الخارجي اللي بيحيط بالجنين، وبتتلامس من خلاله الشعيرات الدموية للأم والجنين، ووظيفته هي حماية الجنين. الغشاء ده بيحيط بغشاء تاني داخلي وهو الرهل (Amnion)، وده عشاء بيحتوي على سائل بيُسمى ”السائل الأمينيوسي“، وده السائل اللي بيتيح للجنين الحركة بحرية، بالإضافة لإنه بيحمى الجنين من الصدمات والجفاف.
الجهاز العصبي هو أول جهاز بيتكون فى جسم الجنين، فى الأول بتتكون أنبوبة عصبية، الجزء الأمامى منها بينتفخ شوية عشان يبقى هو بداية تكوين المخ. الأنبوبة العصبية دي هي بتبقى بمثابة الحبل الشوكي، فى المرحلة دي كمان بيتكون القلب وبيبدأ فى النبض. كل ده بيحصل فى أول شهر من الحمل، فى المرحلة دي بتتميز العينين والأيدين، وكمان فيها بيتميز الذكر عن الأنثى صحيح مش بتكون لسه فى أعضاء تناسلية واضحة، لكن الحقيقة إن تحديد جنس الجنين بيكون فى المرحلة دي لأنه فى حالة وجود الكروموسومات XY فالجنين عند الإسبوع السادس بيبدأ فى تكوين خلايا الخصيتين ويبقى ذكر، أما لو الكروموسومات XX فالجنين بيبدأ فى تكوين خلايا المبيضين وتبقى أنثى، بنهاية المرحلة دي والـ3 شهور الأولى يبقى الجنين قادر على الاستجابة للمؤثرات حواليه.
المرحلة التانية: هى المرحلة اللي بيكتمل فيها نمو القلب ويمكن سماع دقاته، المرحلة دي بيظهر فيها الحمل على الأم وده لأن الجنين بيزيد حجمه بصورة ملحوظة، وبيبلغ أقصى معدلات النمو فى فترة الـ3 شهور الوسطى. فى المرحلة دي بيتكون الجهاز العظمى للجنين، وبتبقى استجابته أعلى لأن أعضاء الحس بتكتمل.
فى المرحلة دي بيبقى الجلد رقيق جدًا لدرجة إنك ممكن تشوف من خلاله الأوردة والشرايين بوضوح، الجنين بتبقى حركته واضحة فى المرحلة دي وعضلاته بتبقى أقوى، كمان بتكون كل الأعضاء تقريبًا اتكونت وبدأت تشتغل، فمثلًا الرئة بتتنفس الأكسجين الذائب فى السائل الأمنيوسى، وبيخرج ثانى أكسيد الكربون، وبيبدأ الجنين يتخلص من فضلاته جوا نفس السائل، وبتظهر ملامح الوش فى المرحلة دي، ويظهر الشعر والرموش والحواجب.
المرحلة التالتة: ودي المرحلة اللى بيبقى فيها الجنين ظاهريًا اكتمل إلا إن أعضاءه الداخلية بتبقى لسه فى مراحل النمو والتطور. في المرحلة دى بيكتمل نمو المخ، وبيبقى معدل النمو فى الحجم أبطأ، وبيبدأ يتحرك بشكل يخليه أقرب لوضع الولادة، بحيث إن راس الجنين تبقى لتحت ناحية عظام حوض الأم. دي برضه المرحلة اللي بيكون فيها إنذارات كاذبة كتير للولادة، وده لأن الرحم بيبدأ ينقبض عشان يهيأ الجسم للولادة.
خلال المرحلة دي كل العظام بتبقى أقوى ما عدا عظام الجمجمة عشان تسمح للجنين بالمرور من فتحة المهبل فى أثناء الولادة، وبتفضل أجزاء فى الجمجمة لينة لحد أول سنة فى عمر الطفل، عشان تسمح للمخ بإن حجمه يكبر، وطبعًا المرحلة دي بتنتهى بالإحساس بألم الولادة.
الولادة بتحصل نتيجة تنبيه هرموني، فيبدأ إفراز هرمون البروجيسترون اللى فضلت المشيمة تفرزه طول 9 شهور عشان تحافظ على بطانة الرحم يقل، فتتفكك المشيمة، وتبدأ انقباضات الرحم القوية عشان تساعد الجنين على الانفصال عن رحم الأم، مع إفراز هرمون ”الأكسيتوسين“ اللي بيساعد عضلات المهبل إنها تتمدد، ويخلى عظام العانة تتسع عشان تسمح للجنين بالمرور منها.
مع استمرار الرحم فى الانقباض بصورة متتالية بيخرج الجنين للخارج، وبيستقبل العالم بصرخة مميزة، واللى على أثرها بيشتغل جهازه التنفسى، وبعدين تنفصل المشيمة من جدار الرحم، وبيطردها الجسم للخارج وبيتم قطع الحبل السرى من ناحية المولود، واللي بيعتبر نسيج ممتدد ما بين الجنين والمشيكة عشان تتنقل من خلاله المواد الغذائية والأملاح من الأم للجنين.
أخر تنبيه هرمونى فى العملية دي هو إن بعد الولادة مباشرةً، بتفرز الغدة النخامية هرمون ”البرولاكتين“، واللي بيقوم بتنبيه الثديين لإفراز اللبن اللي بيعتبر أهم غذاء جسدى وعاطفى فى المرحلة دي للطفل لأن هو اللي بيعزز الرابطة عاطفيًا ما بين الأم والطفل، بالإضافة لإنه بيحتوى على كل العناصر اللى محتاجها جسم الطفل، والأهم إنه بيكسب الطفل المناعة اللازمة لأنه بينقل له الأجسام المضادة من جسم الأم، ولازم نقول هنا إن البرولاكتين أحيانًا بيكون تأثيره مشابه للبروجيسترون، من حيث إنه ممكن يمنع التبويض فى أثناء فترة الرضاعة.
طبعًا كنتيجة لاستمرار نمو بطانة الرحم على مدار 9 شهور نتيجة لإفراز ”البروجسترون“، فبطانة الرحم بتتهدم مع الولادة ويفضل ينزل الدم من أول لحظة الولادة، ويستمر لحد حوالى 40 يوم بعدها، والفترة دى بتُسمى بفترة ”النفاس“، واللي بيحصل طبعًا عشان التغير الهرموني الكبير اللي بيحصل فى جسم الأم طول فترة الحمل، بالإضافة لتغير حجم الرحم نفسه، واللي بالمناسبة حجمه الطبيعي تقريبًا بيكون في حجم ثمرة الكمثرى.
الحمل عملية مُعقدة وصعبة، مليانة ألم وسهر وتعب، ربنا جعل فيها رحم الأم مكان لحدوث معجزة من أهم المعجزات فى الكون، وهى معجزة الخلق. الحمل مش بس تغير فسيولوجى كبير أوى بيحصل فى جسم الأم، لكنه كمان تغير نفسى كبير، وده اللي بيخلي الأم فى فترة الحمل عاطفية أكتر، وسهل إنها تتأثر بأحداث كتيرة.
نفسية الحامل بتأثر كمان على الجنين وعلى نموه وعشان كده بنلاقي إن أحد أشهر أنواع الاكتئاب هو ”اكتئاب الحمل والولادة“، وده غالبًا بيبقى نتيجة للتغيرات الهرمونية والفسيولوجية والنفسية الكبيرة اللي بتمر بيها الأم. كلنا مديونين بأفضال كتيرة لأمهاتنا واللى أولها إنها تحملت وجودنا جواها كحِمل تقيل، بتتحرك وتاكل وتنام بيه ومعاه، يكفي إنها استحملت ألم ولادتنا، فـ حفظ الله امرأة تحملت ألم الحمل والولادة، وكانت فى منتهى سعادتها بكونها هتبقى أم رغم كل التضحيات اللي هتقدمها.
المصادر