عملية الترميز: ماذا لو لم ننسى؟!
كتبت: مها طه
تخيل إنك تقدر تفتكر كل الأحداث اللى مرت فى حياتك، كل مشهد، كل شخص، كل لوحة عربية، كل يافطة، و كل شارع! طب ممكن كمان تقولي تخيلك عن إزاى المخ بيخزن الذكريات دي كها؟
على عكس الفكرة الشائعة عن المخ إنه بيخزن الذكريات فى مكان واحد، الحقيقة إنه ذكرياتنا متوزعة على مناطق كتيرة فى مخنا، وخصوصًا فى منطقة القشرة المخية. كمان لازم نعرف إن ذكرياتنا مش مترتبة فى مخنا زى كتب مرصوصة على رفوف فى مكتبة، لأ دي بيتم تجميعها من مواقع مختلفة فى المخ والعملية دى بتتسمى ” عملية الترميز“.
طول الوقت بنشوف ونسمع حاجات كتير حوالينا، مجموعة كبيرة ومختلفة من الأعصاب الموجودة فى القشرة المخية بتبدأ تشكل مسار عصبى لكل الحواس دي، و تقوم بتمييزها فى شكل ذكريات يتم تخزينها فى الذاكرة، وغالبًا ده بيكون سبب إرتباط ريحة معينة زى ريحة خبز الكحك بذكريات العيد أيام طفولتنا، أو إرتباط صوت معين فى ذاكرتنا بحادثة مخيفة مثلًا، فنحس بنفس إحساس الخوف بمجرد سماع الصوت ده.
فى عضو في المخ اسمه ”the hippocampus“ أو الحصين، والجزء ده بيلعب دور حيوي ومهم فى الذاكرة، العضو ده بيحصل له ضمور فى بعض الحالات زي المرضى المصابين بالألزهايمر.
مع التقدم فى العمر بتبتدأ القدرة على التذكر، واسترجاع المعلومات من الذاكرة تقل نتيجة لضعف بناء المسار العصبي ده، وبالتالي بيبقى صعب عكس عملية الترميز. لذا يُعتبر النسيان جزء طبيعي من عملية الشيخوخة.، ويمكن من المدهش للبعض حقيقة إن النسيان مهم لأنه فى الحقيقة إنت مش محتاج تفتكر كل تفصيلة بتعدي عليك كل يوم في حياتك.
مش ضروري مثلًا تفتكر لون بلوزة ماما اللي لبستها السنة اللي فاتت فى عيد ميلاد بنت خالتك، أو غيره من أحداث تانية كتير مش محتاجين إننا نخزنها فى الذاكرة، بالعكس النوع ده من الذكريات ممكن يعيق حياتنا كلها، بعض الدراسات أثبتت إن بعض الأشخاص اللي مش بينسوا أحداث معينة فى حياتهم _غالبًا أحداث مؤلمة_ بتبدأ ذكرى الأحداث دى تؤثر عليهم بشكل سلبى وأحيانا بيزيد لدرجة تؤدى بيهم للإصابة بالاكتئاب أو حدوث صدمة عصبية.
طب فى حالة وجود ذكرى مؤلمة بالشكل ده و لا يمكن نسيانها، هل الحياة ممكن تبقى طبيعية بعدها؟
فى دراسة اتعملت على شخص مصاب بالاكتئاب نتيجة لتجربة مؤلمة مر بيها ، وهي موت اتنين من أصحابه فى الحرب قدامه، وطبعًا النوع ده من التجارب بيكون صعب نسيانه، كان مستحيل إزالة الذكرى دي من دماغه بشكل متعمد، هو ماكنش عاوز ينسى أسماء أولاده أو مكان بيته لكنه كان يتمنى لو يقدر ينسى الذكرى المؤلمة دى تمامًا.
بعض العلماء بيشتغلوا على تطوير تقنيةٍ لتذكر كل الأحداث فى اليوم هو فرصة عظيمة من خلالها مستحيل تنسى ميعاد أو تضيع دقايق وإنت بتدور على مفتاح عربيتك مثلًا، وطبعًا مش هتحتاج تظبط موبايلك عشان يفكرك بالمواعيد والأحداث المهمة، طبعًا التقنية دي من شأنها تساهم فى علاج الأشخاص اللي بيعانوا من فقدان فى الذاكرة أو أى مشاكل تانية فيها، لكن الحقيقة النتيجة إننا هنكون مش قادرين ننسى أى حاجة مرت فى حياتنا، وده أمر يستحق التفكير بهدوء.
الذاكرة المثالية هتخلينا نتفادى كل الأخطاء سواء الشخصية أو أخطاء الأخرين، هنتفادى الأخطاء اللي بنتعلم منها واللى بتبلورنا ومن غيرها لا يمكن تكون فى بدايات جديدة. هتتلاشى قيم التسامح و المغفرة بين الأشخاص لأنك هتفضل فاكر نفس الأذى اللى تعرضت له بنفس الصورة اللي هتفضل حاضرة فى ذهنك طول الوقت، وعشان كده إحنا فعلًا محتاجين للنسيان فى حياتنا عشان نقدر نتجاوز مشاعر وتجارب كتيرة لو فضلت موجودة فى حياتنا، فهى كفيلة بإنها تدمرها.
تخيل مثلًا إنك تعرضت لأزمة عاطفية أو خيانة من شخص ما وماقدرتش تنساها أبدًا، ممكن الحياة تتوقف بالنسبة لك عند النقطة دي، لأنك ماقدرش تتجاوزها وتسمح لنفسك بفرصة الدخول في تجربة جديدة. غالبًا بعد فترة إنت نفسك هتنسى المقال ده، وممكن تبقى ترجع تقراه تانى!
المصدر