.
ليه وإزاي؟

اللامفرداتية.. أو العيش بلا مشاعر!

كتب: أحمد حسين

بوستر فيلم equilibrium

من فترة كان بييجي في دماغي سؤال، عن مدى أهمية المشاعر بشكل عام في حياتنا، وإيه اللي يحصل لو المشاعر دي اختفت من حياتنا؟ أظن إن الفكرة دي هي اللي جات لمؤلف فيلم (Equilibrium) بطولة كريستان بيل،.

الفيلم بيتكلم عن مستقبل ديستوبي وكئيب، السلطة الحاكمة فيه قررت تجرم المشاعر، وعملت شرطة للقبض على الناس اللي بيحسوا بأي مشاعر.

الحالة دي في مقابل ليها في الحقيقة. شاب اسمه ”كاليب“، كان بيحكي عن عدم إحساسه بالمشاعر بشكل عام، وبيحكي بالتحديد عن ابنه اللي تم 8 شهور.

كاليب قال إنه كان بيسمع الأباء بيتكلموا عن مشاعر أول نظرة لأبنائهم، وإزاي بيحسوا بالفرحة الشديدة لكن هو نفسه لما مر بنفس التجربة، ماحسش بأي حاجة من دي خالص.

كاليب شرح موضوع عدم الإحساس بالمشاعر ده، وشبهه بعرض مسرحي في برودواي. في الصفوف الأمامية، الناس مأخوذين بالدراما اللي بتحصل على المسرح، أما في الكواليس، فالدنيا مفيش فيها دراما ومعظم اللي موجودين تقنيين ومهندسين بيرتبوا للمشهد القادم. هو ده اللي كاليب بيحسه بالظبط، بيتعامل مع كل شيء بشكل ميكانيكي.

يوم جوازه، كان هو مركز الاهتمام، والناس حواليه بتتأرجح مشاعرهم بين الفرحة والمباركة والبكاء، لكن هو نفسه ثابت تمامًا. في الوقت اللي كانت مراته في طريقها إليه على الممشى، واللي هي بتكون لحظة شاعرية جدًا لدرجة إن في ناس كتير بتبكي، إلا إنه هو كان ثابت على نفس تعبير الوجه الطبيعي، اللي هو مبتسم لكنه مش حاسس بأي فرحة ولا سعادة ولا أي شيء.

اللامفرداتية والشعور باللاشئ!

الحالة اللي بيعاني منها كاليب دي اسمها ”اللامفرداتية – Alexithymia“ واللي اكتشفها العالم ”بيتر سيفنيوس“ سنة 1972، ومعناها الحرفي باليونانية ”لا توجد كلمات لوصف المشاعر“. هي حالة أقرب لعمى المشاعر، أو هكذا يشعر المصاب اللامفرداتية.

المصاب بيكون حاسس بالمشاعر دي في قرارة نفسه لكن مش بتكون عنده القدرة إنه يدركها، ولو حتى أدركها مابيقدرش يعبّر عنها. الحالة دي بتصيب حوالي 10% من البشر على مستوى العالم، 8% منهم ذكور.

موضوع التعبير عن المشاعر عند المصابين بالحالة دي، أشبه بالعروسة الروسية، اللي هي عبارة عن خمس عرايس جوا بعض، كل واحدة بتتفح بتلاقي جواها عروسة تانية، هما بقى مشاعرهم بتكون في آخر عروسة خالص، فعلشان يوصلوا لها محتاجين يدركوا وجودها، وبعد ما يدركوا وجودها هيكون عندهم القدرة للتعبير عن مشاعرهم دي، وده بيكون صعب عليهم جدًا.

كاليب لما كان بيتكلم عن حالته، كان بيسأل سؤال معقد جدًا يخص الحالة دي، وهو إنه إيه لازمة الحب طالما مش قادر تتأثر بيه؟ إيه لازمة المشاعر طالما ماعندكش القدرة على التأثر بيها أو التعبير عنها.

عارف لما بتشوف حد بتحبه فقلبك يدق أسرع أو يتخطى نبضة من نبضاته؟ عارف إحساس ألم المعدة اللي بتحسه قبل الإمتحانات؟ كل دي مشاعر ممكن تحركك تجاه فعل معين، كاليب بقى مابيتحركش تجاه أي شيء بمشاعره.

يعني، نفسية كاليب مفيش فيها إطار للمشاعر علشان تتبلور فيه، هو مايقدرش يعرف إذا كان الشعور ده كويس ولا وحش، قوي ولا ضعيف، المشاعر في نفسه مابتتخذش أشكال معروفة، لذلك مابيبقاش قادر يعبر عنها أساسًا.

العلماء في وقت ظهور الحالة المرضية، افترضوا إن الخلل بيكون في الاتصال بين النصف الأيمن والنصف الأيسر في المخ، وده بيمنع إيصال بعض المشاعر لمناطق الإدراك والإحساس.

حاليًا، أصبح تحليل المرض أوضح، يعني بقى في أنواع كتير من اللامفرادتية، منها اللي بتصيب الشخص فمابيقدرش يعبّر بشكل جيد عن مشاعره، ودي ممكن يصاب بيها الشخص نتيجة حادث قوي أو صدمة، أفقدته القدرة على التعبير عن مشاعره.

وفي حالات أخرى _زي كاليب مثلًا_ الشخص بيتولد غير مدرك للمشاعر من الأساس، ومابيقدرش لا يعبر عنها ولا يحسها أو يفهمها حتى من الآخرين.

لما العلماء عملوا الرنين المغناطيسي لبعض المرضى المصابين بالحالة دي، وجدوا إن نسبة المادة الرمادية في مخهم قليلة، وده اللي بيمنعهم _على الرغم من وجود المشاعر دي في النفس_ من إنهم يقدروا يعبّروا عنها.

د. “ريتشارد لاين” من جامعة أريزونا بالولايات المتحدة الأمريكية، شبه الأمر بالعمى، اللي بيصيب بعض البشر نتيجة خلل في القشرة البصرية اللي موجودة في المخ، فالمصابين بيصابوا بانعدام الرؤية على الرغم من إن عيونهم سليمة مفيهاش أي حاجة.

طيب هل في علاج للحالة دي؟

العلاج للحالة دي موجود بس مش عن طريق الأدوية. الموضوع بيبقى أشبه بالجلسات النفسية، والتمارين البسيطة على الإدراك والتعبير عن المشاعر، لكن العامل الأكبر بيكون على عاتق أصدقاء وأقارب المريض، لأن بيكون مطلوب منهم يتفهموا حالته، ويتعاملوا معاه بمنتهى الأريحية، لأن أي تعامل غريب معاه مش هيشجعه على إدراك مشاعره ولا التعبير عنها.

كاليب كان بيحكي عن الموضوع ده، وبيقول إن مراته متفهمة حالته تمامًا، وقادرة تستوعب إن له طريقة خاصة في التعاطي مع المشاعر بشكل عام.

وهي كمان قالت إنها ساعات بتشوف الموضوع ده مفيد، من ناحية إن مشاعره مابتتأرجحش بين الفرح والحزن والقلق كتير، وده مريح إلى حد كبير بالنسبة لها.

كاليب وصف علاقته بمراته بإنها علاقة متينة مبنية على التفاهم والتفهّم ومش مبنية على المشاعر من الأساس، على الأقل من وجهة نظره.

 


المصادر:  bbc  scientificamerican

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى