”السائل التيهي“ عشان نعرف ساسنا من راسنا!
كتبت: يارا كمال
في مرة كنت بعمل لجدتي مساج خفيف عند رقبتها، فبعاكسها ومسكت راسها وقعدت أهزها، ودار بيننا الحوار الآتي:
أنّا (جدتي): يا بت متهزّليش السائل التيهي!
- نعم
أنّا: ماتعرفيش السائل التيهي ولا إيه؟ إنتِ جاهلة؟
- لأ متشرفتش يا ستي.
أنّا: السائل التيهي ده اللي بيحفظ التوازن في الجسم.
- يا سلام!
أنّا: بس تفتكري ليه بقى مسميينه السائل التيهي؟
- عشان بيخلي الواحد مايتوهش!
أنّا: بالظبط.
بغض النظر عن فهلوة المصريين بتاعتي وعن صوت صرصور الحقل اللي ساد المكان في الأخر، بس أنا افتكرت أنّا بتشتغلني أو بتفتي، فقلت أما أدوّر، وفي الحقيقة اكتشفت إني ظلمتها!
عشان الإنسان يقدر يحافظ على توازن جسمه ووضعه ويحس بحركته ومكان كل جزء فيه، بيكون فيه أكتر من حاجة بيتحدوا سوا عشان ده يحصل بدءًا من السمع والنظر، لحد الأجهزة الحسية الجسدية زي الإحساس عن طريق اللمس والإحساس بالضغط ومستقبلات التمدد في الجلد والعضلات والمفاصل، والأهم من كل ده كمان ”الجهاز الدهليزي“ اللي مهمته إنه يحافظ على توازن جسمنا وإحساسنا بحركة الجسم ووضعه، وهو ده موضوعنا.
الجهاز الدهليزي بيساعدنا نفضل مركزين نظرنا على الأجسام الثابتة أو المتحركة أثناء ما إحنا بنتحرك . الجهاز ده موجود في الودن. الودن بتنقسم لـ3 مناطق تشريحية:
- الأذن الخارجية (ودي بتمتد من الجزء الخارجي للودن وبتمر بقناة الأذن وبتنتهي بطبلة الودن).
- الأذن الوسطى (ودي عبارة عن تجويف بيتكوّن من 3 عظيمات أو عضمة صغيرة، ودي بتنقل الصوت وتكبره. التجويف ده بيمتد من طبلة الأذن لحد القوقعة واللي فيها بيحصل الإحساس بالسمع).
- الأذن الداخلية (ودي بتتكوّن من القوقعة والجهاز الدهليزي).
الجهاز الدهليزي بيتكوّن من 3 قنوات على شكل نص دايرة اسمها ”القنوات الهلالية“. القنوات دي متصلة بكيسين صغيرين اسمهم الكييس (Saccule) والقُريبَة (Utricle) اللي بيتقال عليهم كمان (Otholith organs) أو عضوي غبار التوازن أو عضوي الأوتوليث.
القنوات الهلالية مسئولة عن التسارع الخطي (Linear acceleration) والكييس والقُريبة مسئولين عن التسارع الزاوي (Angular acceleration).
إيه بقى التسارع الخطي والتسارع الزاوي دول؟
التسارع الخطي هو التغيّر في السرعة بدون اختلاف الاتجاه، أما التسارع الزاوي هو التغيّر في السرعة والاتجاه في نفس الوقت. يعني الجهاز الدهليزي ده مسئول على إنه يحافظ على توازننا لما اتجاه جسمنا أو سرعته يتغيّروا سواء كانت سرعتنا إحنا أو سرعة حاجة احنا راكبينها زي العربية.
فيه 3 مستويات للحركة في التسارع الزاوي كل مستوى فيهم عامودي على الاتنين التانيين: المستوى الأول فوق وتحت، والتاني كأنك بتحرك راسك من كتفك اليمين للشمال والعكس (نركز على بتحرك راسك مش بتهزها)، والتالت كإنك بتهز راسك يمين وشمال زي ما بتبقى عايز تقول ”لأ“ كده. كل قناة من القنوات الهلالية بتقابل مستوى من مستويات الحركة دي وبتحصل فيها تغيرات حسب تغيره.
فين بقى السائل التيهي من كل ده؟!
القنوات الهلالية بتبقى جوه هيكل عظمي بنفس شكلها، وجوة كل قناة منها سائل. حزروا فزروا إيه هو السائل ده؟! أيوه، السائل التيهي أو اللمف الجواني (Endolymph) كما يطلق عليه العلماء.
في قعدة كل قناة من دول منطقة متضخمة شوية كدة اسمها الأمبولة (Ampulla). فيه جزء من العصب الدهليزي بيخترق قاعدة الأمبولة، والجزء ده بينتهي بحزمة من الخلايا الحسية اللي على شكل شعر. الخلايا دي بتبقى موجودة في حاجة اسمها (Ampullar crest) وبيكون فوقها على طول حاجة اسمها القبيبة (Cupula)، ودي بتتكوّن من امتدادات الخلايا الشَعرية دي واللي بتكون محاطة بمادة جيلاتينية. القبيبة دي مع الـAmpullar crest بيبقى اسمهم (Crista) وبيبقى شكلها زي البزازة.
لما السائل التيهي ده يتحرك أو القبيبة تتحرك في الوقت اللي السائل التيهي بيكون فيه ثابت، امتدادات الخلايا الشعرية اللي في الجزء الجيلاتيني من القبيبة بتتزاح وتتني، فبيبعتوا إشارة عن طريق العصب الدهليزي للمخ اللي بياخد المعلومات دي ويتصرف على أساسها.
إزاي السائل التيهي ده يبعت إشارات للمخ على التسارع الزاوي اللي اتكلمنا عليه؟
الموضوع مبني على قانون القصور الذاتي، اللي بيقول إن أي جسم بيفضل في سكون مادام مفيش قوة غير متوازنة أثّرت عليه، وإن أي جسم بيتحرّك‘ هيفضل يتحرك في خط مستقيم ما لم تؤثر عليه قوة غير متوازنة. وده اللي بيخليك لما تبقى راكب عربية والعربية تقف فجأة، جسمك يطلع غصبٍ عنك لقدام عشان هو كان لسه في وضع الحركة، وإن لما العربية بتطلع فجأة، جسمك بيرجع لورا عشان يحافظ على حالة السكون بتاعته.
لو إنت اتحركت في أي مستوى من التلات مستويات بتوع التسارع الزاوي، القناة الهلالية اللي مسئولة عن المستوى ده هتتحرك مع باقي جسمك لإنها جزء منه، أما السائل التيهي اللي في القناة دي هيفضل ثابت عشان القصور الذاتي، وبعدين يتحرّك بعديها بشوية، وبالتالي القبيبة هتتحرك، فتطلع إشارة عصبية تتبعت للمخ.
طب لو حصل العكس، لو وقفنا فجأة، بسبب قانون القصور الذاتي، السائل التيهي هتيأخر في الوقوف بعديها بشوية برضه، فبرضه هيحلي القبيبة تتحرك في الاتجاه المعاكس. في الحالة دي، لو إنت مثلًا راكب عربية، هتحس إنك كنت ثابت واتحركت مع إن العكس هو اللي حصل، لإن العربية كانت بتتحرك بيك ووقفت.
بالنسبة بقى للكييس والقُريبَة، فدول بيتأثروا بالجاذبية وبيدوا للمخ معلومات عن وضع الدماغ، بس الكُييس حساس أكتر للتسارع العامودي (مثلًا وأنت راكب الأسانسير)، أما القُريبَة فهي حساسة أكتر للتسارع الأفقي (مثلًا وأنت راكب العربية).
الاتنين فيهم بقع سميكة من الخلايا اسمها (Macula)، ودي خلايا شعرية بتتخللها خلايا تانية داعمة ليها. الخلايا دي بتبقى جزء من غشاء الأوتوليث الجيلاتيني وده بيسند أكوام من كريستالات كربونات الكالسيوم الموجودة على سطحه، والكريستالات دي بيبقى اسمها غبار التوازن أو الأوتوليث. الأوتوليث ده بيزوّد كتلة الغشاء الأوتوليثي وده بيزوّد القصور الذاتي فيه.
هي نفس فكرة القصور الذاتي بتاعت القنوات الهلالية، لما الراس بتميل لقدام أو لورا ويمين أو شمال، الأوتوليث بيتحرّك لتحت مع الجاذبية، وده بيحرّك الغشاء الأوتوليثي. وأي حركة بسيطة في الغشاء ده كفيلة بإنها تتني الخلايا الشَعرية، واللي بتنقل المعلومات الحسية للمخ.
التعريفات:
قانون القصور الذاتي: أي جسم بيفضل في سكون مادام مفيش قوة غير متوازنة أثّرت عليه، وإن أي جسم بيتحرّك‘ هيفضل يتحرك في خط مستقيم ما لم تؤثر عليه قوة غير متوازنة. وده اللي بيخليك لما تبقى راكب عربية والعربية تقف فجأة، جسمك يتني غصبٍ عنك لأدام عشان هو كان لسه في وضع الحركة، وإنك لما العربية تطلع فجأة، جسمك بيرجع لورا عشان يحافظ على حالة السكون بتاعته.
المصادر
مصادر الصور: