.
ليه وإزاي؟

الخوف من الظلام كمحفز أساسي للبقاء!

كتب: أحمد حسين

كان الظلام، ولا يزال، من أكثر الأشياء إثارة للخوف والقلق. في الصغر كنّا نخشى الظلام أكثر من أي شيء تقريبًا، يخلق الظلام نسقًا مرعبًا في عقولنا حتى وإن كنا لا نرى شيء مخيف. عقولنا تصور لنا دائمًا شيئًا لا نعلم عنه إلا قصصًا أسطورية، شيئًا يتحرك بخفة في الظلام ليوقع بنا بشكلٍ ما، وحشًا شديد الدمامة، أو شبحًا متلفحًا بعباءة سوداء يقبع في الظلام ليخطف أرواحنا ويرحل.

كلما تقدمنا في العمر، كلما عرفنا المزيد عن الظلام، وعلمنا كم يخفي من أسرار، وأشياء خفية، بعضها مرعب بالفعل، لكن لا علاقة له _من قريب أو بعيد_ بالوحوش والأشباح. خوفنا من الظلام شيء طبيعي، وله أصل في نفوسنا. رجح العلماء أن يكون هذا الأصل عائدًا إلى أسلافنا الأوائل، وأن الخوف من الظلام، قد وصل إلينا، كإحساس فطري نابع من نفوسنا، وذلك نتيجة للتطوّر.

عاش أسلافنا الأوائل، في مجتمعاتٍ مفتوحة، لا يوجد بها بنايات مغلقة، ولا أسوار لحمياتهم من الحيوانات المفترسة وغير المفترسة، إذ أن الطريقة الوحيدة للنجاة من هذه المأساة هي تعلم الصيد، والبقاء متيقظًا حتى لا يتم صيدك، فتصبح أنت الفريسة لا العكس.

إحساس اليقظة هذا كان أساسيًا لأسلافنا وخصوصًا في الليل، إذ أن الحيوانات المفترسة اختارت الليل لاصطياد الإنسان، لسببين، أولهما: أن الإنسان رؤيته الليلية ضعيفة نسبيًا مقارنةً بالحيوانات المفترسة، وثانيهما: أن ليلًا  يكون الإنسان قد استهلك كل ما يمتلك من طاقة نهارًا في الصيد والحصول على ما يؤمّن بقاءه.

قبل أن يصبح الإنسان، هو المفترس الأول والأقوى _بمساعدة التكنولوجيا_ لم يكن هناك أي طريقة لمقاومة هذا الهجوم الليلي إلا الإحساس بالخوف والقلق الشديد، لأن الخوف في أساسه تنبيهًا فطريًا للإنسان حتى يستطيع التصرف بشكلٍ أسرع، لمواجهة المخاطر التي تحيط به. ظل هذا الإحساس بالخوف ينتقل إلينا عبر أسلافنا حتى وصل إلينا، وأصبح شعورًا شديد الأهمية بالنسبة لنا، حتى وإن أصبح هناك سورًا بيننا وبين الحيوانات المفترسة، فلا تزال هناك الكثير من الأسباب للشعور بالخوف.

في عام 2012، قامت مجموعة من الباحثين، بجامعة تورنتو بكندا، بعمل دراسة تقول أن القلق الذي نشعر به في لحظات الخوف لا يعتبر كرد فعل للذعر. لكن، يمكن أن نعتبر القلق الناتج عن الخوف كمحفز يضعنا دائمًا على حافة الاستعداد لمواجهة الخطر القادم، وهذا بالضبط ما كان يحتاجه أسلافنا للنجاة من الأخطار المحيطة بهم، إما عن طريق المواجهة، أو عن طريق الهرب.

الخوف من الظلام في الأساس هو الخوف من المجهول. فنحن غالبًا ما نخاف مما لا نعلمه، أو نألفه، الخوف مما قد يكون وراء الباب المغلق، الذي نفضل أن يبقى هكذا مغلقًا لأطول فترة ممكنة. الفكرة في ذلك، أن خيالنا يملأ دائمًا الفراغ الذي يتركه الظلام في النفس، وغالبًا ما يمليه خيالنا على عقولنا يكن أكثر رعبًا مما قد يكون قابعًا خلف هذا الباب المغلق.

لذلك، تلعب أفلام الرعب على فكرة الفراغ والخيال، ففيلم الرعب الجيد، هو ما لا يظهر لك الوحش أو الشبح بشكلٍ مباشر، بل يلعب على خيالك، ويترك لك مساحة فراغ كبيرة ليظهر الوحش في عقلك مرعبًا أكثر مما قد يظهر على الشاشة.

ظلت البشرية تتطوّر، شيئًا فشيء، حتى وصلنا لبناء المجتمعات الآمنة _إلى حدٍ ما_ من الحيوانات المفترسة، وبالرغم من بعد المسافة بيننا وبينهم، وبالرغم من اختراعنا لوسائلمختلفة توفر لنا الإنارة، وكل ما يمكننا الحصول على الضوء من خلاله إلا أن شعورنا بالخوف من الظلام ظل ملازمًا لنا حتى الآن لأننا لازلنا بحاجة إليه حتى نتمكن من التأهّب، والاستعداد لأي خطر ممكن.


المصدر

Footer

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى