اكتشاف موجات الجاذبية أخيرًا بعد تنبؤات آينشتاين منذ قرنٍ مضى
كتبت: مها طه
بعد الإنذار الكاذب فى 2014، تم رصد التموجات الزلقة فى الزمكان أخيرًا. يفسر ”آلان دافى“، عالم الفيزياء الفلكية، لماذا يُعتبر هذا الاكتشاف بمثابة إنجاز تاريخى، فحتى هذه اللحظة كان مستعصيًا على العلماء تحديد موجات الجاذبية، والتي تنبأ آينشتاين بوجودها منذ قرنٍ مضى في الجزء الأخير من نظريته النسبية العامة.
أعلن العلماء اليوم فى مؤتمر صحفى عن أنهم نجحوا فى التقاط موجات الجاذبية، والتى تشكلت فى أثناء اصطدام كبير، واندماج اثنين من الثقوب السوداء العملاقة على بعد 1.3 مليار سنة ضوئية.
لا يؤكد هذا الاكتشاف فقط تنبؤات آينشتاين، لكنه يعطى أيضًا علماء الفلك طريقة جديدة لرؤية الكون. اكتشاف موجات الجاذبية خلال نسيج الزمكان لم تكن أبدًا مهمة سهلة، حتى آينشتاين كان متشائمًا حول إمكانية العثور على هذه الموجات ذات الاهتزازات الضئيلة.
فى عام 2014، كان علماء الفيزياء الفلكية فى العالم كله مبتهجين بالإعلان عن تصوير الخلفية الكونية خارج استقطاب المجرة بالتليسكوب فى القطب الجنوبى، وأن التليسكون تمكن من التقاط أصداء خافتة من الانفجار الكبير، لكن هذه الآمال تبددت حينما تحولت تلك الإشارات فى مجرتنا لغبار.
قام فريق من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، ومرصد الليزر المتداخل لموجات الجاذبية (LIGO) بتحقيق نجاح للتعاون العلمى بينهم، والذي ظهرت نتائجه بعد أيام فقط من إتاحة التسهيلات لهم.
ولكي نرى المشهد على حقيقته يجب أن نعود بالزمن لـ1.3 مليار سنة، حيث كان هناك اثنين من الثقوب السوداء الهائلة (أحدهما أكبر من كتلة الشمس بـ36 مرة، والآخر بـ29 مرة)، كلاهما وقع فى منطقة الجذب الخاصة بالآخر، فأدى ذلك لدورانهم حول بعض، ثم اندماجهما أخيرًا لينتج عنهما ثقب أسود واحد.
لكن كانت كتلة هذا الثقب الأسود الناتج أكبر بـ62 مرة فقط من كتلة الشمس، أما الكتلة المتبقية والتى تعادل 3 شموس فقد تحولت لطاقة خالصة، وفقًا لمعادلة آينشتاين الشهيرة E = mc2، فهذا يساوى 5.4x 1074 جول، أو 8.5 مليار تريليون تريليون قنبلة ذرية. انبعثت هذه الطاقة فى صورة موجات جاذبية، والتى تندفع للخارج منذ ذلك الحين، وتتسبب فى حدوث ذبذبات للزمكان أينما تذهب.
وكالتموجات التى يصنعها الحجر عند إلقائه فى بركة، فموجات الجاذبية تضعف وتتلاشى كلما ابتعدت عن مصدر بدايتها، لكن خلال مرورها تترك تموجات. موجات الجاذبية لا تلتقط الأشياء وتحركها لأعلى ولأسفل، ولكنها تؤدى لحدوث تضاغط أو تمدد فى الأشياء بما فيها نحن، ولكننا لا نلاحظ هذا لأنه فى كل مرة تمر فيها موجات الجاذبية، نتمدد وننكمش بمقدار أصغر من النواة الموجودة داخل الذرة.
تم الكشف عن هذه الموجات بفضل الدقة التى لا تصدق للكواشف ”twin L-shaped“ الموجودة فى مرصد الليزر المتداخل المتطور لموجات الجاذبية (LIGO) فى الولايات المتحدة، فيرتد الليزر داخل الذراعين اللذين يبلغ طول كل منهما أربعة كيلومترات، ومضبوطان بحيث عندما يلتقيان ببعضهما البعض فى زاوية الحرف L يتوقف الليزر.
ولكن طول الذراعين يتغير بسبب التمدد أو الانكماش الذى ينتج عن مرور موجات الجاذبية، وبذلك فلن تتوقف كل أضواء الليزر، ويتم الكشف عن ”نمط التداخل“ بدلًا منه.
الاكتشاف الذى تم الإعلان عنه اليوم سيحصل على جائزة نوبل بلا شك، ولكنها لن تكون جائزة نوبل الأولى لموجات الجاذبية، ففى عام 1993 تقاسم اثنين من علماء الفيزياء الفلكية أمريكيّ الجنسية، وهما ”راسل هالس“ و”جوزيف تايلور“ جائزة نوبل للفيزياء عن عملهم عام 1974، عندما وجدوا النجوم الميتة بالغة الكثافة المعروفة باسم ”النجوم النابضة“، والتي تدور حول بعضها بالمعدل الذى تنبأت به نظرية النسبية العامة فى حالة انبعاث موجات الجاذبية منها.
وعلى الرغم من أن الحسابات كانت حقيقية، فعلماء الفيزياء الفلكية كانوا يحتاجون للكشف عن وجود موجات الجاذبية ومعرفة كثافتها، هذه النجوم النابضة ببساطة لم تكن تدور بشكل قريب بما فيه الكفاية لتوليد هذه الموجات التى تم اكتشافها.
ضاعف الـ(aLIGO) حساسيته لثلاث أضعاف سلفه LIGO، بمعنى أنه يستطيع أن يرى نفس تصادم الثقب الأسود أبعد بثلاث مرات، ما يصل لـ225 مليون سنة ضوئية، وهذا يعنى أن حجم البحث اتسع 27 مرة.
ما لم تكن الثقوب السوداء تدور حول بعضها بطريقة مختلفة عن تلك المتوقعة من تنبؤات آينشتاين، كان المجتمع العلمى للفيزياء الفلكية واثق من التوصل لنتيجة من aLIGO خلال العام، خصوصًا وانها ستواصل تحسين تكنولوجيتها لتصل لحساسية أكبر ب 10 مرات، وحجم للبحث أكبر بألف مرة، تصل لـ650 ملبون سنة ضوئية فى كل اتجاه.
البحث عن الثقوب السوداء كتلك التى تبلغ كتلتها مليون مرة كتلة الشمس أو أكثر، وتقع فى قلب المجرات بما فى ذلك مجرتنا لا يزال مستمرًا. كما يهدف تليسكوب ”باركس “فى نيو ساوز ويلز لقياس عدد الثقوب السوداء الهائلة التى تصطدم، وتندمج مع المجرات التى تستضيفها، مما يسمح بالتعرف عن قرب على كيفية نمو المجرات، وكيف تتغذى على المجرات الأخرى الأصغر.
موجات الجاذبية ستسمح برؤية الأشياء التى تُعد غير مرئية بالنسبة لتليسكوباتنا، والتى يمكنها فقط الكشف عن الضوء والموجات الكهرومغناطيسية، وبوجود المزيد من الكواشف يمكن معرفة موقع الانفجار الكوني، وتحديده بدقة فى السماء.
قريبًا سيستخدم علماء الفيزياء الفلكية موجات الجاذبية لتوجيه التليسكوبات فى العالم لرؤية أغرب الأحداث الفلكية فى الكون، والآن وبعد الكشف عن أول موجة للجاذبية من يضمن أننا لن ننتظر مئة عام أخرى حتى نرى موجة أخرى.
المصادر