كلنا عاوزين سعادة.. بس إيه هي السعادة؟
كتب: أحمد حسين
في التسعينات، طبيب نفسي اسمه ”مارتن سيليجمان“ قاد ”حركة نفسية إيجابية“، بحيث إنه جعل دراسة السعادة البشرية محور أبحاث ونظريات الطب النفسي، كامتداد لاتجاه بدأ في الستينات عن الإنسانيات، بمعنى التأكيد على أهمية وصول الإنسان إلى إمكانية خلق هدف لحياته.
من الوقت ده، واتعملت آلاف الدراسات واتكتبت آلاف الكتب، بتتكلم عن سر السعادة، وطرق الوصول ليها، وكيفية البحث عن هدف/معنى للحياة. الكلام ده كله، كان القصد منه مساعدة الناس في إنهم يحصلوا على حياة أكثر رضا بالنسبة لهم، بس ده للأسف ماحصلش، يعني إحنا ماحصلناش على حياة أكثر رضا بالعكس الموضوع بيبقى أسوأ، إيه اللي حصل؟
كلنا عاوزين سعادة، بس إيه هي السعادة ؟
جزء من المشكلة في الموضوع ده، هي إن السعادة نفسها مش شيء ممسوك نقدر نحدده ونقول إيه هي السعادة. زائد إن حكاية السعي وراها دي، ممكن تكون مجرد سباحة ضد التيار مش أكتر، لأننا ممكن نكون مبرمجين من الأساس علشان مانحسش بالرضا الكامل.
في فيلسوفة اسمها ”جينيفر هيشت“ درست تاريخ السعادة في كتابها ”خرافة السعادة – The Happiness Myth“. هيشت اقترحت إننا كلنا بنتعرض لاختبار أنواع مختلفة من السعادة، بس ده برضه شيء مش مُرضي، لأن أنواع السعادة غالبًا بتتعارض مع بعضها.
بمعنى إيه؟ يعني مثلًا لو إنت حددت السعادة بالنسبة لك في عمل ناجح وزواج جيّد، دي أشياء بتاخد وقت ومجهود كبير، لما هتوصل لها هتحس بالسعادة، بس في الطريق إنت بتفقد أنواع تانية من السعادة، زي رفاهية إنك تروح حفلة، أو تسافر سفرية سريعة، أو ببساطة تقضي وقت طويل مع صحابك.
والعكس برضه صحيح، لو إنت بتقضي وقت طويل مع صحابك، وبتروح حفلات وسفريات، هتلاقي إنك بتحصل على السعادة، بس برضه مش كاملة، لسه ناقصك الشغل اللي هيقدر يوفّر لك الأشياء دي. باختصار، مفيش حد بياخد كل حاجة، لما السعادة بتزيد من ناحية، بتقل من الناحية التانية.
ليه بنتكلم في الماضي؟ وليه بنبص للمستقبل؟
هيشت بتكمّل كلامها، على إن المخ هو اللي بيخلق معضلة الإحساس وعدم الإحساس بالسعادة، على الأقل في الوقت الحاضر.
يعني إيه الكلام ده؟ يعني المخ يا إما بيفكّر في السعادة اللي هاتيجي في المستقبل (هتخرج من الجامعة – هحب – هشتغل – هسافر – هعيش لوحدي)، يا إما بيفكر في الماضي (أنا كنت أحسن في الجامعة – من غير شغل أفضل) أو تحديدًا جملة ”لو كنت عملت كذا كان حالي أصبح أفضل“.
بالتأكيد، مش لازم الماضي يكون كان أفضل من الحاضر، ولا المستقبل ممكن يكون أفضل، لكن مخنا دايمًا بيفكر بالطريقة دي، اللي هي عبارة عن حيطة قوية من الواقعية بنبنيها بيننا وبين السعادة الحالية، لأننا دايمًا بنفكر، إن الماضي كان أفضل، أو إن المستقبل هيكون أفضل.
بحسب كلام د. هيشت، فالكلام ده بيشبه فكرة كل الأديان والمعتقدات ومعظم الأفكار الفلسفية، فكرة تفاحة آدم، وإننا كنا في الجنة بس نزلنا على الأرض، ووجودنا في الأرض ده وجود مؤقت، لحد ما نوصل للوجود الأبدي والسعادة المطلقة اللي في الجنة، لذلك رحلتنا في الأرض، هي عبارة عن سعي لاستعادة ماضي عشناه، وهنحب نعيشه في المستقبل تاني.
الكلام ده علماء النفسي أطلقوا عليه اسم ”التحيّز للتفاؤل“، بمعنى الرغبة في التفكير، إن المستقبل هيكون أفضل، مع إن ده _زي ما ذكرنا سابقًا_ كلام مش دقيق، لأن الوقت الحالي ده، كان من كام سنة مستقبل، وأهوه مش أحسن برضه، ولسه عايشين في فكرة إن المستقبل هيكون أفضل، وده له أصل تطويري بداخلنا كبشر.
الخداع النفسي كميزة تطويرية
فكرة النظر للمستقبل دي على إنه الأفضل، تعتبر ميزة تطويرية بالنسبة للبشر، لأنها تقريبًا الفكرة الوحيدة اللي مخلياهم مكملين في الحياة. العلماء بيطلقوا على العملية دي اسم ”الخداع البريء“، وهي ببساطة بتتكلم عن إنه طالما ماضينا كان جميل، ومستقبلنا هيكون أجمل، فإحنا بس محتاجين نشتغل أكتر، علشان نطلع من حاضرنا الممل السخيف.
علماء النفس عندهم مصطلح بيطلقوه على الفكرة دي اسمه ”طاحونة المتعة أو طاحونة السعادة”، بيتكلم عن إننا بنسعى وبنشتغل بقوة علشان نوصل لهدف ما، علشان نحصل على السعادة من وراه، لكن كطبيعة بشرية، لو وصلنا للهدف ده، مابنكتفيش بيه، وبنحاول نوصل للي بعده، علشان نقدر نكمّل الجري في الطاحونة دي، علشان نفضل حاسين بالسعادة.
أحد الأساتذة المساعدين، كان بيحكي مرة عن تجربة نشر كتابه الأول، وبيقول إن ده كان حلمه من فترة طويلة، وفضل يسعى له لحد ما قدر يحققه، لكن في اللحظة اللي حققه فيها، فكّر في إنه تحوّل من ”الشخص اللي نشر كتاب أخيرًا“ إلى ”الشخص اللي مانشرش غير كتاب واحد بس“.
بالمناسبة، لما عملوا بحث عن فكرة الناس اللي بتكسب في المسابقات واليانصيب ملايين الأموال، لقوا إن السعادة طويلة المدى مش مقترنة خالص بأشياء زي دي، قياسًا على الناس اللي بيعملوا حوادث قوية في حياتهم بتؤدي بيهم للإصابة بأمراض مزمنة، لقوا إن الناس دول برضه مابيفضلوش عايشين في ألم وحزن طول حياتهم ولا حاجة، فأدركوا إن فكرة السعادة أو الحزن طويل المدى دي فكرة مش متحققة من الأساس.
في النهاية، ده شيء مش مُحبط ولا كئيب، بالعكس، فكرة إدراك إن السعادة والحزن مش دائمين، هي فكرة جيدة، ويمكن للسعادة بشكل أكبر كمان. مثلًا، لو اعتبرنا إن السعادة ضيف لطيف دايمًا بيزور ويخفف، فإحنا هنكون سعداء جدًا بكل مره بيجي يزورنا فيها.
زائد كمان، فكرة إن تعريف السعادة مختلف بالنسبة لكل شخص، دي فكرة مريحة نسبيًا، لو قدرت تحدد السعادة بالنسبة لك، فإنت مش هتحتاج تبص للسعادة عند حد تاني وبمنظوره، لأنها ببساطة مش هتكون مناسبة ليك، وطبعًا، مفيش حد بياخد كل حاجة، فحتى الشخص اللي إنت شايفه سعيد ده، هتلاقيه ناقصه حاجة، وأكتر شيء العلماء حددوه كمضاد للسعادة هو ”الحسد“.
المصادر: iflscience theconversation jennifermichaelhecht martin-seligman