أسطورة طرزان: والعيش بعيدًا عن البشر!
كتب: أحمد حسين
سنة 1999، أنتجت ديزني واحد من أكثر أفلامها نجاحًا، وهو فيلم “طرزان” اللي بيحكي عن أسطورة طرزان، الولد اللي عاش حياته وسط القرود في الغابة، لحد ما ظهرت في حياته بنت اسمها “جين” حبها ورجع يعيش وسط البشر تاني. تقريبًا مافيش حد فينا مايعرفش الحدوتة دي.
أسطورة طرزان وكيف نتكيف لنصبح بشرًا؟!
القصة دي اتكتبت في رواية سنة 1912 بعنوان “طرزان القرود”، وتقريبًا مفيش تغيرات كتير حصلت فيها. هي نفسها أسطورة طرزان، الطفل اللي اتربى وسط القرود، وطلع بيقلد حركاتهم وطريقة تواصلهم مع بعض، عاش كقرد يعني مش كإنسان، والسبب في ده ببساطة، إن طرزان _رغم كونه إنسان بالأصل_ ماحدش علمه يعيش كإنسان.
ده معناه إننا رغم كوننا بشر، لازم حد يوجهنا علشان ندرك ده. وإحنا أطفال، بنقدر نتعلم كل شيء من خلال المراقبة. مراقبة الأشخاص اللي بيمشوا بتخلينا قادرين على إننا نحاكي الحركة دي، فبنقدر نمشي في النهاية. كذلك الكلام، والحركات، وتعبيرات الوجه، وكل شيء بنعمله تقريبًا.
في تجربة اتعملت سنة 1961 على الموضوع ده اسمها (The Bobo Doll Experiment). التجربة كانت عبارة عن إنهم جابوا 36 ولد و36 بنت، من أعمار بين 3 إلى 6 سنوات، واختبروا ردود أفعالهم ومحاكاتهم لأفعال الكبار. المفروض إن كل طفل بيكون مع شخص بالغ في غرفة فيها عروسة بالحجم الطبيعي، فيقوم الشخص البالغ ده، يمارس عنف تجاه العروسة دي، مرة ورا مرة، وبعدين يسيب الطفل ويخرج.
اللي بيحصل بعدها بقى، إن الطفل بيقوم ويحاكي حركات الشخص البالغ بالظبط، في إنه يضرب العروسة ويمارس عليها نفس العنف بدون إدراك منه إن اللي بيعمله ده شيء كويس أو وحش أو غيره، هو بيعمل كده لأنه الشخص الكبير بيعمل كده وخلاص، مابيكونش عنده تقييم ذاتي لأفعاله، لذلك كان في تحذيرات كتير، من فكرة استخدامك للعنف تجاه الأطفال أو قدامهم لأنهم عاجلًا أم آجلًا هيقلدوك.
فعمومًا الإنسان بيتعلم أي شيء في الدنيا بالمحاكاة. طيب إيه اللي يحصل لو ماكانش في حد نحاكي أفعاله ولا نتعلم منه الكلام ولا اللغة ولا أي شيء؟ حالة كده زي حالة طرزان، اللي الشخص فيها مابيكونش له أي تفاعل مع إنسان. طبعًا لو العلماء قرروا عزل شخص عن العالم، علشان يشوفوا ردود أفعاله بعد سنوات على الموضوع ده، هيكون أمر غير أخلاقي بالمرة.
جيني النموذج الواقعي لطرزان
بس إيه اللي يحصل لو الأمر ده حصل بالفعل بالصدفة؟ سنة 1970 في لوس أنجلوس، أحد العاملين بالخدمة الاجتماعية، اكتشف وجود بنت في أحد البيوت، فراح بلّغ الشرطة. اللي اكتشفوه بعد كده، إن والد البنت وأمها، حبسوها في أوضة من البيت ده لمدة 13 سنة، وفي الغالب كانوا بيربطوها في (Potty Chair) كرسي كده عبارة عن قاعدة حمام.
في الوقت ده، “جيني” البنت راحت مركز للتأهيل، والأطباء بدأوا يتعاملوا معاها على إنها طفلة رضيعة، لأنها فعلًا ماكانتش بتعرف تعمل أي حاجة، لا بتتكلم ولا بتمشي ولا بتعرف تتصرف تجاه أي شيء. بعد فترة، بدأت جيني تمشي وتاكل لوحدها وتلبس هدومها، بس المشكلة كانت في الكلام، أو تحديدًا في اللغة.
جيني في الأول، لما بدأت تتعلم الكلام، كانت بتقدر تدرك الأشياء اللي حواليها وتقول اسمها، وبتقدر بصعوبة شوية تكوّن جملة من كلمتين، لكن ده كان أقصى ما توصّلت إليه، لأنها تخطت النقطة الحرجة للتعلّم، النقطة اللي حدد لها العلماء وقت قريب قريبًا من سن البلوغ (12-13 سنة).
العلماء استنبطوا إن تعلّم اللغة تحديدًا بيتوقف في السن ده، لأن المخ والخلايا العصبية بيتوقفوا عن الإحساس بالكلمات الجديدة بعد الوقت ده، بمعنى إيه؟ إنه سهل جدًا تعلم طفل أسس أي لغة في الوقت ده، لكن بعد السن ده ممكن يتعلّم كلمات، لكن هيكون صعب عليه جدًا إنه يتكلم لأن الكلام يحتاج لترتيب جملة مفيدة، وده اللي مش هيكون الشخص قادر يعمله بالأساس.
لكن باختصار، الطفل اللي مابيتعرضش لبشر، مابيقدرش يبقى إنسان، على الرغم من هويته البشرية، مابيبقاش قادر يتعامل كإنسان لأنه مايعرفش يعني إيه إنسان من الأساس. وعمومًا التعرض للناس والطبيعة، بيعلمنا نحاكي كل شيء فيها لحد ما نبقى قادرين على وضع أسلوب حياة خاص بينا، بس للأسف اللغة هي الاستثناء الوحيد للقاعدة دي، لأن محدش بيقدر يتعلم لغة أو تكوين الجمل بعد وصوله لسن البلوغ من غير ما يتعلم تكوين الجملة وهو طفل.
المصادر: verywell simplypsychology
