الحب والرومانسية .. خدعة للتناسل ولّا احتياج عاطفي؟
كتب: أحمد حسين
في كتابه “الندوة” تخيل أفلاطون أحد قعدات الفلاسفة اليونانيين القدماء، وسأل عن معنى الحب، كإجراء بحثي مش أكتر. ساعتها أرستوفان، كاتب مسرحي ساخر وسكران معظم الوقت بس كلامه له وجاهة، حكى قصة رمزية لكنها لطيفة. القصة بتقول إننا كبشر في زمن قديم كنا كائنات بأربع أيادي وأربع رجلين ورأسين (راجل وست)، وفي يوم من الأيام ضايقنا الآلهة وقلقنا منامهم، راح زيوس شاققنا نصين، وفضل كل إنسان من ساعتها بيدور على نصه التاني، والحب هو المحرك الدائم للبحث ده.
قصة لطيفة، لكن هل فعلًا الحب ده موجود؟ ولو موجود إحنا بنحب إزاي؟ وهل هو خدعة للتناسل علشان نفضل مكملين في الدنيا؟ ولا احتياج عاطفي وجسدي لكل البشر؟
الحب وجهات نظر
تقريبًا الحب أكتر حاجة شغلت البشرية من بدايات الحضارة الإنسانية. الشعراء والأدباء والمثقفين كتبوا ونظّروا كتير عن الحب. الأغلبية العظمى من البشر ليها نظريات تجاهه. بعضهم بيعتبره شيء سيء وقاسي ومرتبط بكسر القلب، بعضهم شايف إنه أحلى حاجة في الدنيا، وهو اللي مصبّرنا على العالم. العلماء كمان لهم وجهات نظر عن الحب ممكن نتعرّف عليها.
مبدئيًا، أغلب العلماء واللغويين مايقدروش يحطوا تعريف “واضح” للحب، وكل واحد فيهم بيقول وجهة نظره أو اللي اتفق عليه الأغلبية من وجهة نظره. مثلًا عالمة الأعصاب “جابيجا توتكيت”، رأيها إن الحب تطوّر عبر السنين علشان يسمح لنا نبدأ عملية التزاوج والتناسل مع شخص آخر، فنقدر نورث الحمض النووي بتاعنا للأجيال الجديدة في المستقبل.
توتكيت مش لوحدها اللي بتعتقد في ده، جزء كبير من العلماء، خصوصًا علماء الأحياء، بيقولوا إن الحب عبارة عن أداة الطبيعة علشان تؤمّن بقاء النوع، يعني موجود بس علشان نقدر نعمل حاجة صعبة زي فكرة التناسل دي. أما علماء الكيمياء وعالم الإنسان الحيوي “هيلين فيشر”، فبالنسبة لهم الموضوع عبارة عن تفاعلات مش أكتر.
من زمان والحب مرتبط بالقلب، حتى لما بنيجي نعبّر عنه بنبعت شكل قلب للشخص اللي بنحبه، لكن بالنسبة للعلماء، الحب مرتبط أكتر بالعقل. وكل مرة بيعملوا فيها تجربة واختبار على العقل، بيلاقوا إن تأثير الحب مُشابه جدًا لتأثير الكوكايين، اللي بيأثّر بدوره على مراكز المتعة عن طريق تقليل سقف الطموح بالنسبة لها، فوقتها بتحس بالسعادة والفرحة من أي حاجة حواليك تقريبًا.
لذلك لما حد يكون بيحب، وخصوصًا بيحب جديد، بيبدأ يبني علاقة رومانسية مع كل ما حوله من أشياء وطبيعة، وبيحس إن العالم مش قدّه، وإن مفيش حاجة تقدر تقلل من معنوياته المرتفعة دي. لذلك بنحب نحس إننا محبوبين أو واقعين في الحب. وزي ما هو معروف إلى حدٍ ما، المخ وقت الإحساس بالحب بيفرز هرمون الدوبامين أو ما يُسمى بهرمون الحب، اللي بيخليك تحس بالتحفيز والرغبة تجاه الشخص الآخر. علشان كده العلماء بيعتبروا الحب دافع عقلي أو دماغي أكتر منه مجرد شعور.
ده غير كمان هرمون الأوكسيتوسين (Oxytocin)، اللي بيفرزه المخ وقت ما بنحضن حد بنحبه، أو اللي بيُفرز عند الستات أثناء الولادة، واللي كمان بيتسبب في فكرة الالتزام (Commitment) بين الأطراف في العلاقة الواحدة. في نوع من القوارض أو الفئران اسمه “Prairie Vole”، النوع ده لما بيجي موسم التزاوج بيفرز الأوكسيتوسين، واللي بيحصل إنه بيفضل مع زوج واحد بس خلال حياته كلها، بمعنى إن دي حيوانات مش متعددة العلاقات، وبيتجوزوا جوازة واحدة بس.
من ناحية تانية، الانجذاب تجاه شخص ما بيقلل من هرمون السيراتونين (Serotonin) وبيزود احتياج الجسم ليه، وده هرمون من هرمونات السعادة. من المثير للاهتمام، إن السيراتونين بتكون معدلاته منخفضة في مخ المصابين بالوسواس القهري (OCD) برضه، وده دفع العلماء للاعتقاد إن انخفاض السيراتونين ممكن يفسّر شوية الاهتمام الزايد اللي بيعمله الحبيب تجاه محبوبته والعكس في المراحل الأولى في الحب، زي فكرة إنه يبقى عايز يتكلم معاها ويشوفها وقت طويل، وزي الاحتياج لفكرة إنه يعيش معاها ويشاركها بكل حاجة ويتطمّن عليها طول الوقت وهكذا.
اعرف أكتر| سيكولوجيا الحب: 8 أسباب نفسية للوقوع في الحب
وبالمناسبة، العلماء كمان انقسموا حوالين فكرة الحب الأبدي، بعضهم قال الشعور بالحب ده شيء ماينفعش يفضل طول الحياة، إلا في مواقف مُعينة جدًا وقليلة جدًا جدًا، لكنه بيخفت بعد فترة من الزمن، لما الشخص اللي معاك في العلاقة يتغيّر، وإنت ماتبقاش قادر تتقبّل التغيُّرات دي. البعض الآخر قالوا لأ، الحب ممكن يكمّل عادي والمخ قادر على إفراز كل الهرمونات الخاصة بالحب حتى بعد سن السبعين. الأمر كله معتمد على اختياراتك وطريقة معالجة للأمور مع الشريك.
ما بين العلم والفلسفة
تعالوا نسيب العلماء شوية ونتكلم عن رأي الفلاسفة في الحب، واللي بالمناسبة بعضه بيتفق مع رأي العلماء في الحب. مثلًا الفيلسوف الألماني الشهير “شوبنهاور”، قال إن تعلّق الحب بالرغبة الجنسية دي خدعة من الطبيعة، وإننا بنحب بس علشان نقدر نتناسل ونخلّف، فالجنس البشري يفضل مكمّل في الدنيا ولا يفنى أبدًا. وأضاف إننا لما بنكفّي احتياجنا الجنسي، بنرجع تاني للوجود المؤلم، وكل اللي بنعمله هو الحفاظ على أطفالنا علشان نكمّل المسيرة البشرية.
أما “برتراند راسل” الفيلسوف الإنجليزي الشهير، فكان شايف إن الحب ده مجرد هروب من وحدتنا، وإننا مُصممين (designed) برضه للتناسل، لكن عن طريق الرغبة الجنسية والحب الشغوف. راسل كمان كان شايف إن العالم اللي حوالينا قاسي وبارد، علشان كده بنبي بينّا وبينه حواجز كتير وبنعزل نفسنا عنه، ومشاعر زي الحب والعاطفة والحميمية بيخلونا نتغلّب على خوفنا من العالم، ونواجهه بشجاعة، زي ما قال بعض العلماء. لذلك كان بيعتبر الحب أهم حاجة في عالمنا.
أما بوذا، فكان شايف إن الحب زيّه زي الرغبات التانية، اللي منها الأكل والشرب والقوة والحصول على المال، كلها حاجات بتسمم حياتنا، وبتخلينا نعاني. علشان كده عاش حياته كلها يدوّر على طريقة نوصل بيها للنيرفانا، أو الشعور بالحكمة والسلام النفسي والهدوء والشفافية. يعني نقدر نقول إن فلسفته كانت أقرب للرهبنة مش للتفاعل مع الحياة حوالينا.
الفيلسوفة الفرنسية سيمون دي بوفوار كان ليها رأي تاني، مخالف تمامًا لرأي بوذا في الحب، وهو إن الحب بيخليك تكتشف ذاتك وتكتشف كمان الآخر، وتتفاعل معاه بكل ما فيك من مشاعر. لذلك كانت مركزة على فكرة إزاي نحب بعض بطريقة أفضل، أكتر من التركيز على فكرة إحنا ليه بنحب أساسًا. قالت كمان إن الحب بالنسبة لها بيكون مبني على الصداقة، وده اللي يمكن بيفرقه عن كونه احتياج جنسي فقط.
اعرف أكتر| اللامفرداتية.. أو العيش بلا مشاعر!
ده مشابه للي قالته الطبيبة النفسية الأمريكية جوديث أورلوف، لما حطت علامات للتفرقة بين الحب والرغبة الجنسية. بس خلونا قبل ما نقول العلامات، نتفق على إن البشر كائنات معقدة مش بسيطة، لذلك الخط الفاصل بين الرغبة الجنسية وبين الحب دايمًا مش واضح أوي وسايح على بعضه، لذلك العلامات دي ممكن بس تفتّح شوية طرق للتفرقة، لكنها مش هتقدر تفرّق تمامًا بين الحب والرغبة.
د. أورلوف بتقول إن من علامات الرغبة الجنسية إنك تكون مركز على الشكل والجسد بس، وإن مسعاك في العلاقة يكون متمحور حوالين الجنس بس مش الكلام، وإن أي مناقشة لشعور حقيقي بينكم بتعصبك، وإن أول ما العلاقة الجنسية بينكم بتخلص بتحب تمشي على طول من غير كلام إضافي، لذلك بتعتبر اللي في علاقة جنسية مش أصدقاء كمان.
أما علامات الحب، فهي إنك تبقى بتسعى لقضاء وقت ممتع مع شريكتك بعيدًا عن الجنس كمان، وإنك تكون بتنسى الوقت وإنت معاها، وبتكون عاوز تسمعها أكتر وتسعدها قدر المستطاع، وكمان بتحفّزها وهي بتحفّزك علشان تبقى إنسان أفضل، وبتحس إنك عاوز تتعرف على أصدقائها وعيلتها وتكوّن معاها روابط أقوى من الروابط الجنسية فقط.
في النهاية، وبعد كل الآراء دي، يظل الحب شيء نسبي، والعلاقات كمان. مفيش علاقة شبه التانية تمامًا، لأن إنت مش شبه حد ولا شريكك شبه حد كمان، وكل علاقة بتحكمها روابط مختلفة عن غيرها. وسواء شايف إن الحب خدعة للتناسل، أو رغبة واحتياج عاطفي جسدي، أو شيء من أساسيات الحياة، أو حاجة مؤذية وبتكسر القلب، فالأغلبية العظمى مننا محتاجة له وبتسعى له، وبتسعى لو لقيته إنها تحافظ عليه.
لذلك، أتمنى لكم بشكل شخصي محبة متبادلة بينكم وبين شركائكم، سواء الموجودين حاليًا أو اللي هاييجوا في وقتٍ ما.
المصادر: Youtube1 Youtube wired psychologytoday psychologytoday howstuffworks