.
ليه وإزاي؟

المستضعفين: ليه بنشجّع الأقرب للخسارة؟

كتب: أحمد حسين

تقريبًا معظمنا شوفنا فيلم ”Rocky“ اللي بيحكي عن ملاكم مغمور بيلعب ماتش مع بطل العالم للوزن الثقيل، والمفروض إنه بطل العالم ده يهزمه هزيمة مُهينة ويعيد ثقته بنفسه ويحطم الملاكم المغمور ده، لكن الحقيقة إنه بيحصل العكس، والناس بتشوف إن الملاكم المغمور ده بيبذل مجهود وبيحاول يكسب ومابيستسلمش لفكرة إنه الأقرب للخسارة، فبيشجعوه أكتر والأمر بينه وبين بطل العالم بيبقى متساوي.

السنة اللي فاتت في الدوري الإنجليزي حصل شيء مشابه لده. ”ليستر سيتي“ فريق صغير، إمكانياته محدودة جدًا بالنسبة لفرق زي مانشستر سيتي ومانشستر يونايتد وتشيلسي، تمن لاعب واحد في الفرق الكبيرة دي غالبًا بتمن لاعبين فريق ليستر سيتي كلهم، وفي كرة القدم الفلوس حاليًا شيء مهم جدًا، والفرق الكبيرة اللي بتكسب الدوري لازم يكون معاها فلوس علشان تقدر تدعّم فريقها بكل الإمكانيات المطلوبة.

جاذبية المستضعفين

بس الحقيقة إنه السنة اللي فاتت، ليستر سيتي كسب الدوري بإمكانياته الضعيفة والمحدودة دي. الموضوع ده كان أشبه بمعجزة بالنسبة لناس كتير، والمعجزة الأكبر إن الناس كانت بتشجّع ليستر سيتي ونفسهم الفريق يفوز، الموضوع كان ملهم تمامًا.

”آلان شيرر“، واحد من أفضل اللاعبين القدامى في الدوري الانجليزي، قال إنه دي أفضل قصة شافها في حياته في أي رياضة. وكان في تصريح برضه جميل لـ”رانيري“، مدرب الفريق، بيقول فيه إنهم عملوا زي فورست جامب، ومش هيبطلوا جري لحد ما يوصلوا للمقدمة.

طبعا ممكن حد من اللي بيقرا ياخده الحنين للفانلة البيضا وسنظل أوفياء وده أنا ماليش علاقة بيه، كما إنه بمنتهى الوضوح كده بقى الزمالك مش فريق مستضعف ولا ضعيف ولا ناشئ.. فأي تشابه هو محض أفكاركم اللي بتلعب في دماغكم هااه 😀

نرجع لمرجوعنا سنة 1991، في علماء نفس في جامعة بولينج غرين ستيت في الولايات المتحدة كتبوا ورقة بحثية باسم ”مبدأ المستضعفين في الرياضة“، واتكلموا عن فكرة إن الناس بتحب دايمًا تشجع الفرق الأقرب للخسارة. البحث كان عبارة عن إنهم اختاروا 100 طالب من الجامعة، وإدوهم سيناريو فيه فريق A وفريق B، الفريق A كان صاحب الإنجازات والإمكانيات، والفريق B ده كان فريق صغير وبيحاول يكسب.

الباحثين لقوا إن 81% من الطلبة اختاروا يشجعوا الفريق B، بس الموضوع ده ماطوّلش. ليه؟! العلماء لما قالوا للطلبة إن الفريق B ده كسب الفريق A تلات مرات قبل كده، نص الـ81 دول قرروا إنهم يشجعوا الفريق A. يعني لو ليستر سيتي كسب الدوري 3 مرات مثلًا، كان هيبقى فريق منافس مش مستضعف، وكان هيبقى له جمهوره الخاص مش كل الناس هتشجعه.

سنة 2007، مجموعة باحثين في جامعة فلوريدا الجنوبية، بحثوا في نفس الفكرة، وسألوا مجموعة من الطلبة عن أكتر من حدث رياضي وسياسي، منهم مثلًا تجربة عن العدد اللي هيتعاطف مع الاسرائليين في مقابل العدد اللي هيتعاطف مع الفلسطينين في صراعهم.

في التجربة دي، الباحثون لقوا إن الطلبة بيأيّدوا المستعضعف أيًا كان مين، يعني لو اسرائيل هي اللي مفترية ومعاها القوة والسلاح وكل حاجة، الناس هتتعاطف مع فلسطين في صراعها، والعكس صحيح.

نفس الكلام حصل، بس مع حدث رياضي زي الأولمبياد. الباحثين سألوا الطلبة عن لاعبين دخلوا في منافسة، واحد فيهم كان معاه إمكانيات كبيرة، وبيكسب ميداليات ذهب طول الوقت، وفلوس وتدريبات بقى وكل حاجة، في المقابل هيلاعب شخص ماعندوش حاجة من دي، بلده أول مره تدخل الأولمبياد أساسًا. عدد كبير من الطلبة اختاروا الشخص اللي ماعندوش أي إمكانيات، وشافوا إن دي فرصة مناسبة لتشجعه ودعمه كمان.

لماذا شجعنا روكي رغم أنف أبولو كريد؟

طيب هو إحنا ليه بنشجع المستضعفين أو اللي بيكونوا أقرب للخسارة؟

الموضوع بيكون له علاقة بمدى احتياجنا لتصديق فكرة إن العدل ممكن يتحقق على الأرض. بمعنى، إن الفرق/اللاعبين المستضعفين قليلي الإمكانيات دول، أكيد بذلوا مجهود جبار علشان يقدروا ينافسوا فرق كبيرة، والمجهود ده يستحق التتويج بالفوز.

ده مش بس بيخلينا نصدق فكرة إن العدل ممكن يتحقق، وإن اللي بذل مجهود هيفوز في الأخر، ده كمان بيحسن من حالتنا المزاجية، وبيخلينا أكثر عزمًا على إننا نحقق إحنا كمان شيء في الحياة، الموضوع سيكولوجي بحت، زائد إنه كمان له جانب من المزايا، له علاقة بالتوقعات.

يعني مثلًا، إنت متوقع إن المستضعفين أو الفريق المستعضف ده غالبًا هيخسر، بس بتراهن عليه بينك وبين نفسك، وفي الحالتين إنت كسبان، يعني لو كسب، المخ هيفرز هرمونات النشوة والسعادة بكثرة، ولو خسر مثلًا، فإنت هتكون مبسوط برضه إنه حاول بل وعمل أداء كويس قدام الفريق الكبير، وهيكسب احترامك ومش هتحس إنك متضايق من إنك دعمته أو شجعته بشكل عام، يعني كده كده كسبان مش هتخسر حاجة.

عمومًا يعني، إحنا بنحتاج في حياتنا شيء يكسر التوقعات، حاجة تحصل بشكل مفاجئ ومش محسوب بالورقة والقلم، علشان ده بيحسسنا إنه على هذه الأرض _لسه موجود_ ما يستحق الحياة وكده.


المصادر:   slate   psychologytoday  sciencedaily

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى