مزايا العزلة وجماليات الصمت
كتب: أحمد حسين
في البداية محتاجين نفرق بين معنين يمكن متقاربين بس مش مترادفين، وهما العُزلة والوحدة. العُزلة معناها البُعد الاختياري عن الآخرين، اختيار الانقطاع عن العالم والوجود بمفردك في مكانٍ ما، أما الوِحدة فهي حالة تُعبر عن عُزلة غير اختيارية، انفراد بالنفس بلا إرادة.
بالنسبة لي، الفرق بين الاتنين كبير، يعني العزل _بمعناه اللي حاولت أصيغه_ هو إضافة غطاء حول شيء ما يمنعه من التأثّر بأي عامل خارجي، إغلاق الشيء على نفسه بمعنى أصح، أما الوِحدة، فهي إحساس بإنك بمفردك حتى لو كنت وسط مجموعة من البشر. والعزلة لها مزايا ولها عيوب، أما الوِحدة، فإحساس غالبًا عيوبه أكتر بكتير من مزاياه.
مزايا العزلة
بحسب د. إيستر شارل في كتابها ”نداء العُزلة“، العُزلة بتمنحنا القوة على تعديل حياتنا عن طريق الراحة، بمعنى إنها بتخلينا قادرين نرتاح ونعيد شحن طاقتنا من جديد، فالبشر زيهم زي أي شيء في الدنيا لهم طاقة وبتحتاج تتشحن كل فترة، والعُزلة هي الطريق لذلك.
طيب قادرة على تعديل حياتنا إزاي؟ لأن العُزلة بتمنحنا الوقت علشان نستكشف ونبحث أكتر، ونعرف إيه اللي إحنا محتاجينه وإيه اللي محتاجين نتخلص منه، ببساطة بتمنحنا المساحة الكافية للبحث والاكتشاف.
مشكلة العُزلة حاليًا، إن كل شيء تقريبًا مابيسيبكش في حالك، بمعنى إن وجود التكنولوجيا ومواقع التواصل وسهولة الوصول ليها خلاها أصبحت جزء مهم من حياتنا، وفكرة العُزلة الاجتماعية عن البشر والتواصل معاهم عن طريق مواقع التواصل ماتعتبرش عُزلة، لذلك فكرة الابتعاد عن مواقع التواصل في وقت العُزلة هي فكرة جيّدة جدًا.
السبب في ده كمان، إن البشر على مواقع التواصل بيميلوا لإنهم يتكلموا عن أحلامهم وطموحاتهم ومخاوفهم تجاه هذه الأشياء، وساعات يطرحوا أسئلة كبيرة ومحورية تخص حياة البشر بشكل عام. الأسئلة دي، أو معظمها يعني، بيمنعوا الشخص من التركيز على هدفه أو حتى التفكير في الوصول له. الأسئلة الكبيرة اللي غالبًا مالهاش حل بتشتتنا، والتشتيت ده بيمنعنا عن التفكير بهدوء اللي هو أصلًا هدف العُزلة.
في كتابة اسمه ”13 شيء يفعله المتزنين نفسيًا“ لعالمة النفس إيمي مورين، مورين بتقول إن تقدير جماليات الصمت جزء أساسي من الانتفاع بالعُزلة، والصمت معناه إغلاق كل منافذ الصوت الخارجية والاكتفاء بالصوت الداخلي فقط، ولما توصل لحالة الصمت الهادئ دي ساعتها هتعرف تفكر في مشاكلك وفي حياتك بشكل أفضل.
مورين أضافت كمان، إن الصمت بيمنح مخنا بعض الوقت علشان يقدر يحلل ويعمل عملية مُعالجة (Processing) للأحداث اللي بتحصل حوالينا، ويحاول يلاقي لها حل إذا كانت محتاجة حل، الموضوع كله يتطلّب بس عشر دقايق كل يوم تقدر تعيد فيهم تركيزك مرة تانية.
الوِحدة غير المرغوب فيها
الكلام اللي فات ده بقى لا ينطبق على الوِحدة، لأن الوحدة إحساس نفسي غير مرغوب فيه، ممكن تكون أسبابه اجتماعية أو نفسية، إحساس عامل زي دايرة مُفرغة كده، مشاكلي النفسية هي سبب إني أبقى لوحدي، أنا لوحدي علشان مش طايق أتعامل مع البشر بسبب مشاكلي النفسية وهكذا.
وأكتر أسباب الوحدة هو الإحساس بإن مفيش حد ممكن يفهمك أو يتفهّم شعورك بشكل عام، ده بيخلي الشخص يحس وهو حتى وسط ناس إنه لوحده.
لذلك مُعظم علماء النفس دايمًا بينصحوا إننا نحاول نتخلص من الوحدة، لأنهم في كل الحالات مؤذية أو زي ما جان بول سارتر بيقول: ”إذا كنت وحيدًا بصحبة نفسك، فأنت في صحبة سيئة“. الفكرة إن الوِحدة مش بس هتضخّم مُعاناتك ومشاكلك، دي كمان ممكن تخلي حالتك النفسية أسوء عكس العُزلة الاختيارية اللي ممكن تعيد اتزان حالتك النفسية مرة تانية.
في بعض النصائح علماء النفس بينصحوها للشخص اللي حاسس بالوِحدة، أولهم إنه يحاول يعبّر عن نفسه بشكل أكبر، طبعًا ده بيتطلّب مجهود كبير وشجاعة لكنه في النهاية بيساعده على التخلص من جزء من العِبء اللي عليه علشان يقدر يفكّر بشكل أفضل في حياته بدون أن يكون على كاهله حِمل ثقيل مخليه مُنهك حتى مش قادر يفكّر بشكل سليم.
ببساطة، العُزلة والصمت أمور مهمة للشخص علشان يقدر يعيد ترتيب أوراق حياته مرة تانية أو زي ما ذكرنا سابقًا يشحن طاقته علشان يقدر يواصل حياته مرة تانية. بس حاول على قد ما تقدر، إن العُزلة دي ماتتحوّلش لوِحدة لأن القرارات اللي بتاخدها في وقت العُزلة، بتكون محتاج تناقشها مع أشخاص قريبين منك، فالعُزلة شيء لطيف، الوِحدة غالبًا لأ.
المصادر: healthy-magazine businessinsider mind lifereimagined.aarp