”درجات إيه ومجموع إيه؟! عقدتوا لنا العيال!“ عن آثار سلوكيات التربية والتعلم الخاطئة على الأطفال
كتبت: مها طه
بالنسبة لي ولحد دلوقتي تقريبًا شهر سبتمبر من أسوء شهور السنة، بيحسسني بالإكتئاب فعلًا، وأعتقد فى ناس كتير بتحس كده برضه، الغريب إني كنت فاكرة ده له علاقة باكتئاب الشتاء لكن الحقيقة بعد تحول شهر سبتمر للمناخ الصيفي ومع تقدم العلم أدركت إن الأمر لابد يكون مرتبط بحاجة تانية؛ الدراسة مثلًا؟!
من فترة قصيرة وفى أثناء حديثي مع صديقة متخصص فى علم النفس، لقيتها بتقول لي إن سبب إحساسي ده هو ارتباط الشهر ده من السنة عندي بدخول المدارس! واتأكدت لما لقيت في مرة وأنا قاعدة مع صاحبتي بنتها اللي في تالتة إبتدائي بتقول ”يا رب المدرسة تولع“ عشان كان موسم الدراسة هيبدأ وهي بتكره المدرسة.
اكتشفت إنه حتى بعد سنين طويلة من البعد عن المدرسة الشعور ده لسه موجود عندي وعند ناس كتير غيري. المدرسة كان لها تأثير ولو غير مباشر على أعصابنا وحالتنا المزاجية، دايمًا مضغوطين، عاوزين نخلص الواجب عشان نلحق نلعب، ونخلص المذاكرة عشان نلحق ننام، كنا في حالة سباق مع نفسنا سواء بدافع إننا نبقى شاطرين أو لأن ماما هتضربنا لو درجاتنا ماكنتش حلوة فى الامتحان.
في دراسة مشتركة أجراها مجموعة من الباحثين في جامعة براون للطب، جامعة برانديز، وكلية رود آيلاند، ومركز نيو إنجلاند لعلم النفس عند الأطفال، واللي جمعوا فيها بيانات من 1173 أب وأم، اكتشفوا إن أولادهم بياخدوا وقت فى عمل الواجيات اليومية أكتر بـ3 مرات من الموصى بيه من الجمعية الوطنية للتعليم ”NEA“!
وفقًا للجميعة الوطنية للتعليم، المعيار الحالي الموجود لعدد الساعات المُخصص للواجبات المنزلية، بيتحسب عن طريق 10 دقايق لكل سنة دراسية، بمعنى إن لو البنت أو الولد فى سنة ستة ابتدائي، المفروض يبقى بيعمل واجبات فى اليوم بمعدل 60 دقيقة. طبعًا مش محتاجين نتكلم عن إن الساعة دي مش بتكفي تلميذ أولى إبتدائي دلوقتي أصلًا عشان يخلص الواجب، الخبراء قالوا إن المعادلة دي أثبتت كفائتها لتحقيق أحسن أداء دراسي.
طبعًا موضوع الـ10 دقايق لكل مرحلة ده، مالوش أى علاقة باللي بيحصل عندنا، بس كمان خلينا نضيف إن الأطفال في مرحلة الحضانة أو الـKG، مش المفروض ياخدوا واجب خالص. عندنا طبعًا الأمهات طالع عينهم عشان أطفالهم اللي في KG والإبتدائي مش ببيقعدوا على بعضهم عشان يعملوا الواجب، وبيفضلوا يفركوا ويتحركوا أو يتكلموا لأنهم فى الحقيقة مش المفروض يقضوا الوقت ده كله في عمل الواجب.
الشكوى الدائمة لكل الأمهات دلوقتي هي إن يا إما الأطفال مش عاوزين يذاكروا ويعملوا الواجب، أو بيعملوه بطلوع الروح، أو إنهم فعليًا بيكرهوا المدرسة جدًا، وده كله بدون ما ندرك إن السبب في الكره ده هو الواجب والالتزام اللي فى الحقيقة أكبر من أعمارهم، ده بالإضافة لربط الطفل للتعليم عندهم بالثواب والعقاب وبس، الشغف هنا مالوش أي دور، ده كله بقى قبل ما نتكلم عن دور الأهل فى اللي بيحصل ده.
الباحثين بيقولوا إن ضغط الأمهات والأباء وعصبيتهم بتبقى سبب في إصابة الأطفال بأمراض جسدية ونفسية، كفيلة إنها تؤثر عليهم لباقي عمرهم، خلونا نتكلم عنهم:
1. القلق والتوتر
الأطفال للأسف وبالذات في سن صغير، بيستجيبوا للضغط اللي بيُمارس عليهم، وغالبًا ده بيسبب لهم اضطرابات فى النوم والأكل، القلق بشكل مُفرط، الميل للغش، الإرهاق، فقدان الاهتمام بممارسة الهوايات، والانسحاب من الأهل والأصدقاء. الضغط والتوتر الزايد بيؤثر على الجسم من الناحية الفسيولوجية كمان، يعني التوتر ممكن يتسبب في إحساس الطفل بآلام جسدية منها: آلام المعدة والإسهال والصداع والطفح الجلدي، وخاصًة إن الأطفال قدرتهم على التعبير عن التوتر بتبقى أقل منها عند المراهقين، وفقًا لكلام دكتور ”جيسون شيفمان“، الحاصل على دكتوراه فى الطب النفسي، والأستاذ فى قسم الطب النفسي والعلوم السلوكية بجامعة كاليفورنيا.
2. ضعف الثقة بالنفس
في دراسة تم نشرها فى مجلة ”دراسات الطفل والأسرة“، توصل الباحثين لإن الآباء والأمهات اللي بيضغطوا على ولادهم عشان يعملوا واجبات و يذاكروا بمعدل بيوصل أحياناً لـ4 أو 5 ساعات فى اليوم، بيكونوا السبب في إن معدلات إصابة أولادهم بالاكتئاب تبقى أعلى، ده غير قلة شعورهم بالرضا عن حياتهم فيما بعد، وانخفاض مستوى الاستقلالية والكفاءة عندهم، وأضاف الباحثين إن طريقة التعنيف والضغط على الأبناء اللي بتكون في اعتقاد الأب والأم هي الوسيلة الأمثل عشان يحسنوا الأداء الدراسي لأولادهم بتكون من ضمن الأسباب الرئيسية اللي بتضر الأطفال.
طبعًا ده مش معناه إننا نسيب الأطفال من غير توجيه لأن الضغط والتوتر بيعتبروا محفز لتحسين أداء الإنسان عمومًا طالما ماتعدوش الحد الطبيعي ليهم لأن التحدي والتوتر الناتج عنه، هو اللي بيخلي الإنسان يحسن من أداؤه عشان يوصل لحل للمشكلة اللي بتواجهه، أو الخطر اللي بيهدده، لكن كل شئ لازم يكون ضمن الحدود المفيدة اللي تحفز أداء الوظيفة، وتحفز عملية التعلُم من غير ما يكون تأثيرها مُضر وعكسي.
العملية التعليمية قايمة على عدد من العناصر، المدرسة، الطالب، ولي الأمر، وعشان كدة خبراء التعليم قاموا بوضع استراتيجيات للآباء والأمهات عشان يتبعوها، وكمان للمدرسة عشان تنفذها، وفى الأخر كله بيصب فى مصلحة الطالب، وكمان المحصلة النهائية له هى تحسُن العملية التعليمية كلها.
1. استراتيجيات للآباء والأمهات:
- الاستماع والملاحظة لأى تعبيرات تصدر عن الأطفال توضح إحساسهم بالقلق المُفرط، زي إنك تلاقي ابنك اللي فى تانية إبتدائي عنده إسهال ليلة الامتحان مثلًا.
- التحدث مع الأطفال عن مشاعرهم تجاه المدرسة.
- مناقشتهم وسماع أفكارهم _أيوه ناقش ابنك اللي عنده 8 سنين _ لتحسين التعليم من وجهة نظرهم.
- التأكد من إن الأطفال بيناموا عدد ساعات كافي فى اليوم، طبقًا لتوصيات مؤسسة النوم الوطنية، فنوم الأطفال من سن 5 لـ12 سنة ، لازم يكون من 9 ساعات لـ11 ساعة فى اليوم، أما بالنسبة للمراهقين فعدد ساعات النوم بيتراوح بين 8.5 لـ9.5، يعني من موقعي هذا أحب أقولكم الواحد اتظلم أوي فى طفولته بجد!
- التأكد من إن الأطفال جدولهم مش مزدحم بالمذاكرة والواجبات من غير أى ترفيه ولعب بالتوازن معاهم. سواء كانت الزحمة دي لأنك بتفرض عليهم عدد معين من الساعات للمذاكرة، أو كانوا هما أكبر شوية واتعودوا على النظام التعليمي، وبدأوا هما اللي يحملوا نفسهم بأعباء وضغوط كبيرة، أكيد فاكرين يعني الأول على الفصل اللي بيذاكر في الصيف عشان يبقى مستعد للسنة قبل ما تبدأ.
- دايمًا علم أطفالك إن البشر عندهم قدرات مختلفة، وإن النجاح مالوش تعريف مُحدد، مش لازم يتفوق فى الرياضيات والعلوم والدراسات واللغة العربية والإنجليزية والألعاب.
- زيادة الوقت العائلي، لازم الأطفال والمراهقين بتعودوا يحكوا عن مشاعرهم ويومهم الدراسي، ويتواصلوا مع أهلهم بشكل كافي.
2. استراتيجيات للمدارس:
- دراسة السياسات المُتبعة فى الامتحانات، والواجبات المنزلية.
- النظر فى السياسات التعليمية والمناهج، وأساليب التدريس التربوية. (اقرا موضوعنا عن أحدث الطرق التعليمية لتدريس المناهج الدراسية)
- تشجيع الميول المُختلفة للطلبة، وعدم مقارنتهم عن طريق الدرجات، ولكن التقييم يكون وفقًا للدرجات بالنسبة للمهارات.
طبعًا فى الأخر وبعد كل الكلام ده، لازم نقول إن العملية التعليمية ممكن يكون إصلاحها محتاج وقت ومجهود، لكنه كمان مش مستحيل ومش بالضرورة يكون مُكلف. الموضوع محتاج إعادة النظر فى المنظومة كاملةً بكل مكوناتها، وخصوصًا إن الجيل الحالي من الأطفال مختلف تمامًا عن الأجيال اللي قبله، جيل مُنفتح على العالم من خلال الإنترنت، لما بيحب يعرف معلومة ممكن يدخل على ”جوجل“ يعمل عنها بحث ويوصل لها بنفسه، كما إن روح التمرد عنده أكبر! وعليه، لازم المناهج تكون مناسبة للأطفال دول، ده طبعًا بالإضافة لإن التعليم مش من المفروض يكون سبب في تعب نفسي أو جسدي للأطفال، وبما إن المنظومة ككل فيها أخطاء، فلما المدرسة بتغلط، ولي الأمر بيغلط ، وبالتبعية بنربي جوه أولادنا خوف وكره للتعليم اللي هو أصلًا فطرة بشرية، بتتولد مع كل البشر إنهم يكونوا محبين للمعرفة وشغوفين بيها.
المصادر