عن ”حساسية اللبن“: نعم هي حقيقة وليست أكاذيب!
كتبت: مها طه
كلنا فى مرحلة الطفولة من حياتنا، على الأقل، كان لازم نشرب اللبن عشان محتاجين الكالسيوم عشان عضمنا وأسناننا وعشان الجملة اللي تربى عليها أجيال ”عشان تكبر وتبقى قوى“، وبعيدًا عن الأطفال اللى ممكن تكون مش بتحب طعم اللبن، أو بيعاندوا عشان مايشربهوش، لكن لازم نعرف إن فى ناس فعلا مش بتقدر تشرب اللبن عشان عندها حساسية منه، حقيقي الكلام ده يا جماعة!
عشان نكون محددين فى كلامنا، فلإسم الصحيح للنوع ده من الحساسية اللي هنتكلم عنها هو ”حساسية اللاكتوز – lactose intolerance“، ودي حالة طبيعية فى اتنين من كل 3 بالغين أصلًا! ولو إنت حاسس إنك تعرف عدد قليل من الناس كده، أو حتى يمكن ماتعرفش خالص، فأحب أقولك إن إجابة ده مرتبطة بالتوزيع الجغرافي مش أكتر.
اللاكتوز
أولًا وقبل أى حاجة خلينا نقول إن اللاكتوز هو نوع من أنواع السكريات واللي بيوجد فى اللبن، فى لبن الأبقار والماعز وحتى فى لبن الأم. سكر اللاكتوز حجمه كبير، فمش بيقدر يخترق جدار الأمعاء ولا يوصل لمجرى الدم، لذلك فكل صغار الثدييات جسمهم بيصنع إنزيم إسمه ”اللاكتيز“، وده اللي بيكسر سكر اللاكتوز ويحوله لسكريات أبسط وهى الجلوكوز والجلاكتوز. السكريات دى صغيرة بما فيه الكفاية عشان تقدر تخترق جدار الأمعاء، وتدخل مجرى الدم، إنزيم اللاكتيز ده بيكون موجود فى الخلايا المُبطنة لبعض أجزاء الأمعاء الدقيقة.
بفضل وجود اللاكتيز، بتتمكن صغار الثدييات من الحصول على التغذية اللي محتاجينها من لبن الأم، وبعد التوقف عن الرضاعة بتفقد الثدييات تدريجيًا الإنزيم ده، تقريبًا ثلثي الناس بتفقد الإنزيم ده تمامًا، والتلت اللى فاضل هو اللى جسمهم بيصنع الإنزيم ده، وبيقدروا يشربوا اللبن من غير ما يحسوا بشعور بعدم الارتياح.
ملاحظة: في أطفال بتتولد من غير ما يكون جسمها بيفرز أصلًا إنزيم اللاكتيز، وده بيسبب لهم حساسية اللبن أو الـmilk allergy، ودي مختلفة عن حساسية اللاكتوز اللي بيتسبب فيها اللبن بدءًا الأطفال اللي قاربوا على سن المراهقة مرورًا بباقي الأعمار.
طب ليه ده حصل؟
من حوالي 12 ألف سنة، بدأ البشر ولأول مرة يتعودوا على السلوكيات اللازمة لترك حياة الترحال والتعود على الحياة المستقرة، بعدها بحوالى ألف سنة، فى مكانٍ ما بين جبال زاغروس (موجودة دلوقتي بين إيران والعراق) وجبال طوروس (موجودة دلوقتي فى تركيا)، بدأ البشر فى تربية الماعز والأغنام، أما بقى الماشية والخنازير فكانت بعدها بحوالى 500 سنة، وانتشر ده ببطء لحد ما وصل لأوروبا.
لما بتربى حيوان من دول فإنت بتربيه عشان تستفيد منه، سواء بقتله بقى عشان تحصل على لحمه، جلده، عظامه أو حتى قرونه، وفى أوقات تانية بتخليه عايش وتحاول تستفيد من منتجات تانية ليه متأثرش على حياته، زى الصوف، الروث، صغاره، طبعًا بالإضافة إلى اللبن.
العجل عشان يتفطم بياخد حوالى 8 شهور، وده وقت كافىي عشان يقدر يقف على رجليه و يعتمد على نفسه، فى الحالة دي بيفضل عند البقرة حوالى 200 كيلو لبن، وده كفيل إنه يمدك بنفس كمية الطاقة اللي ممكن تاخدها لو أكلت البقرة كلها. اللبن بيُعتبر مصدر غذاء متجدد، ده بالإضافة لمميزاته التانية، أولًا البقرة بتاكل عشب وبتصنع منه اللبن، وده معناه إنها مش بتنافسنا خالص فى مصدر الغذاء، ثانيًا اللبن بيتكون فى معظمه من مياه، وبالتالى بيحمى من الجفاف، ثالثًا اللبن عادةً مش بيتلوث بالبكتريا الضارة، وأخيرًا بيحتوى على فيتامين D وكالسيوم.
بالرغم من كل الفوايد دى لكن زى ما قلنا اللبن مابتقدرش تهضمه غير أمعاء الأطفال والرُضع، البالغين بقى لما بيشربوا اللبن بتظهر عليهم أعراض مختلفة، بدايةً من الإحساس بعدم الراحة فى المعدة، مرورًا بالانتفاخ وزيادة الغازات، لحد التقلصات، وده لأن جزيئات اللاكتوز اللى مش بتتهضم وبتفضل فى القولون، بتستخلص المياه من مجرى الدم، وده اللى بيسبب زيادة نسبة المياه فى البراز أو بمعنى أصح بيسبب الإسهال.
عشان نوضح أكتر، لو مثلًا إنت شربت لبن وكلت معاه بسكوت، فمعدتك بتبعت الأكل الأول لأمعائك وتأخر اللبن شوية، وده طبعًا بيخليه يمر ببطء أكتر، فبيتيح للبكتريا وقت أطول عشان تتفاعل مع اللبن، وده اللى بيسبب الإحساس بالتعب الناتج عن شرب اللبن.
اكتشاف الجبنة .. بالصدفة!
طبعًا البشر كانوا و مازالوا بيحاولوا يستفيدوا من كل اللى الموارد الموجودة حواليهم، فمثلًا زمان كانوا بيستخدموا معدة الأبقار بعد دبحها لتخزين اللبن فيها حاجة أشبه بفكرة القربة لخض اللبن، عن طريق الصدفة بقى اكتشفوا وجود مادة كيميائية إسمها ”rennet“ أو المنفحة فى معدة الحيوانات دي بتحول اللبن من صورته السائلة، بمعنى إنها بتخلي اللبن _يجبن_ أو يتخثر، فيبقى جزء منه صلب والباقى سائل شبه شفاف شوية. بمعالجة الخثارة دي قدر البشر يصنعوا الجبنة عن طريق النشاط البكتيري، وشيئا فشئ بدأت تظهر أنواع وأطعمة مختلفة من الجبنة اعتمادًا على نوع النشاط البكتيرى فيها، وعليه نقدر نقول إن اختراع الجبنة كان بالصدفة البحتة!
الجبنة ليها ميزتين زيادة عن اللبن بالنسبة للناس اللي بيعانوا من حساسية اللبن، أولًا الجبن نسبة اللاكتوز فيها أقل، وثانيًا الدهون فيها أعلى، وده بيخليها تمر فى الأمعاء أبطأ وهضمها أسهل، فمثلًا الجبن الناتجة عن التخمير زى الشيدر والفيتا، بتبقى نسبة اللاكتوز فيها منخفضة جدًا، فى حين إن الأجبان الصلبة زى البارميزان أو الرومى بتبقى نسبته أقل كمان من كده.
التطور كان السبب فى إن أمعاء أسلافنا فى أفريقيا وأوروبا قدرت تصنع إنزيم اللاكتيز عشان يقدروا يتكيفوا مع البيئة المحيطة بيهم ويتغلبوا على الظروف القاسية، يعتبر إنتاج الإنزيم ده طفرة فى الجينات لكنها طفرة مفيدة وبدأ الإنسان يورثها لنسله من بعده.
حاليًا نقدر نقول إن 99% من الأشخاص فى السويد وهولندا مثلًا معندهمش حساسية من اللاكتوز ولا بيسبب عندهم أي مشاكل، فى حين إن حوالى 50% بس من الأسبان والفرنسيين والعرب هما اللى معندهمش مشكلة مع اللاكتوز، وعدد أقل من كده بكتير فى الصين.
عملية إنتاج إنزيم اللاكتيز مش بس بتتأثر بجيناتك الموجودة على الـDNA بتاع حضرتك، لكن عادى جدًا ممكن يبقى معندكش الجين ده والبكتريا الموجودة فى أمعائك تنتج اللاكتيز عادى. وعمومًا أدينا عرفنا ليه فى ناس لما بتشرب لبن بتتعب، وليه الناس بتتجه إنها تخلط اللبن بمادة تانية مثلًا عشان تقدر تشربه وتستفيد من فايدته الكبيرة، وعرفنا كمان إنك كأم ماينفعش تغصبي ابنك أو بنتك على شرب اللبن في الوقت اللي بيرفضوه لأنهم فعلا متضررين منه بشكل أو آخر، ووارد جدًا يكون عندهم حساسية منه.
المصادر