.
مشاركات حرة

مقدمة كتاب ”الكون“ لكارل ساجان

كتبا لنيون: محمد ملازم وأحمد بدران

الكون عـــادة عندما نفتح كتاب للتاريخ نبدأ بالإنسان ، متى وجد وماذا فعل حتى الآن، وإذا سألنا عن لماذا وجد الإنسان؟ …. كان نصيب الأسد و(الهر) فى الإجابة للدين ، وعندما بدأت الإجابة تصيب البعض بالتوعك وسوء الهضم ، تقيأوا الطعام المقدم لهم، وبحثوا، بمعدة خاوية عن إجابات أخرى، بمنطق آخر، بتذوق آخر، والمسأله فى النهاية مسأله ذوق، ولكن من الصعب علينا لإعتيادنا على صنف معين ووجبة واحدة ، فهم إختلاف الأذواق، والذوق كما يقولون، فى النهاية …. لا يناقش .

نعم… الإجابة هى الكون، من رحم الكون ولد الإنسان، من بقايا النجوم وغبار المجرات، أليس هذا غريبا على السمع؟

نعم ولكنه شيق ، يقدم الدكتور كارل ساغان مسرحية جديدة وطازجة ، وبانوراما علمية ربما دينية  _ومن يدري_ فى كتابه الكون، ويعلن لنا ”أما الآن فقد اكتشفنا طريقة فعالة ورائعة لفهم العالم وهي العلم  الذى كشف لنا عالما مفارقًا فى القدم وواسعا لدرجة بدت معها الشئون الإنسانية للوهلة الأولى ذات أهمية قليلة ، فقد ابتعدنا فى نشأتنا عن الكون الذى بدأ بدوره بعيدا جدا وغير مرتبط باهتماماتنا اليومية“.

ولكن العلم ”اكتشف أن العالم لا يتسم فحسب بالعظمة المذهلة أو بإمكان فهم الإنسان له بل اكتشف أيضًا أننا نشكل ، بمعنى حقيقي عميق ، جزءًا من الكون الذى ولدنا منه كما يرتبط مصيرنا به بشكل عميق“. فأكبر الأحداث الإنسانية ، وأقلها أهمية هى ذات جذور مرتبطة بالعلم وكيفية نشوئه وهذا الكتاب مكرس لاكتشاف هذا الأفق الكوني.

وهذا بوضــوح إشارة إلى غاية الكتاب، الذى كتبه الدكتور كارل: لمن يا ترى موجه هذا الكتاب؟

يقول ساجان بصدد تلك النقطة ”كــان الهدف من هذا المسلسل هو أن يتجه للجمهور الواسع من المشاهدين وأن يكون مذهلا بمشاهدة موسيقاه ، ويستحوذ على العقول والقلوب معًا“.  يتحدث عن المسلسل التلفزيونى الذى انبثق من ورق وحبر الكتاب، وعدد حلقاته (13) حلقة، واستغرق العمل فيه ثلاث سنوات، أما الكتاب فهو مكمل للمشاهد لكى يعود مرارًا إلى النقاط المبهمة والصعبة ، وهذه ميزة لم تبدأ فى التوافر للتلفزيون إلا فى الوقت الراهن بوجود أجهزة الفيديو وتكنولوجيا تسجيل البرامج على أشرطة أو أسطوانات ، كما أن الحرية التى يتمتع بها المؤلف فى اختيار مدى الموضوعات وعمقها فى أحد فصول الكتاب أكبر بكثير مما هو متاح فى حلقات التلفزيون غير التجاريية ، التى يتقيد المرء فيها بزمن لا يتجاوز 85 دقيقة و30 ثانية، لذلك فإن الكتاب يتعمق فى المواضيع بدرجة أكبر مما تفعله مسلسلات التلفزيون.

أما عن محتوى الكتاب، فالكتاب عبارة عن فصين لعقل واحد، فص معلومات وعلم، وفص أخلاقي.

يتكون كتاب الكون من عشرة فصول:

  • الفصل الأول بعنوان (شواطئ المحيط الكونى)، ارتدى فيه ساغان ملابس مدرس الجغرافيا قبل الصعود للمسرح… أين نحن فى هذا الكون؟ وماهى أبعادنا؟ هل توجد حياة أخرى فى أماكن وكواكب أخرى غير كوكب الأرض؟
  • الفصل الثانى غير الدور المسرحى ليلعب دور مدرس التاريخ ، حكى لنا قصة مليارات السنين من التطور والأحداث المزدحمة فى ذاكرة الكون؟ كيف أصبحنا أحياء من الخلية إلى الإنسان؟ وينتقل مباشرةً إلى الفصل الثالث ليتحدث عن القمر والمذنبات والكواكب.
  • الفصل الرابع، مغامرة لك ولها على الكوكب الأحمر الذى يقف خلفنا فى الصف المريخ الصغير.
  • الفصل الخامس نعود إلى الأرض ونبدأ فى سجال شيق مع العلماء، فى تصوراتهم وخطواتهم الصغيرة نحو الفضاء، وتجارب أسلافهم من علماء الرياضيات والفيزيائين الذين أشرفوا على صنع أول حذاء وبساط سحرى للإنسان للإقلاع عن الأرض.
  • هل يمكننا السفر عبر الزمن؟ هل يمكن جعل الإنسان يعيش فى سبات عميق ، مثلما تعيش أسماكنا فى ثلاجاتنا البيتية، مجمدين، فى ثلاجة السفر إلى الفضاء، ثم يتم إيقاظ المسافرين بعد عدة قرون؟ هذا ما ستطلع عليه فى الفصل السادس.
  • ثم يظهر على المسرح ساغان بدور طباخ الوجبات السريعة ، كيف يصنع لنا الشطائر الكونية بطريقة شاعرية و جميلة، وكيف اكتسبت النجوم نكهتها وألوانها وأضوائها المتألقة؟

المكونات هى أربع ذارت هيدروجين تدمج تكون ذرة هيليوم ، ويرافق ذلك إطلاق فوتون آشعة غاما ، كما يطلق صغار الرضع صرخة إعلان عن بدء الحياة ، وهكذا تبدأ رضاعة النجوم عن طريق حليب الدمج النووى!!

  • فى الفصل الثامن، فى نهايته، تصورات لأساطير طريفة عن الكون للشعوب البدائية والغريب أنها –لفضول الشعوب– وبالصدفة أقرب لبداية الفصل الذى يتحدث عن الانفجار الكبير، والكوارزمات وتتبع مسارات المجرات والكوارزمات فى الكون.
  • الفصــلان التاسع والعاشر هما الفصلان الأكثر جدية وحدة، هنا رسالة شديدة اللهجة بعد هذه كل الأدوار التى لعبها ساغان على المسرح، إلى كل عرش موضوع على تلال من الجماجم البشرية والأشلاء البشرية ، لكل أيدولوجية ، لكل غطرسة تسبح فى بحورها من اليقين وتظن أن الأسماك تسبح بحمدها، كفى … لم تعد تعمل الإبادة ولا الأيدولوجية ، أو كما قال نهرو ”ستتراجع السياسة والدين وسيتقدم العلم والإنسانية“. نعم، ساغان يقول لهؤلاء الذين يتحدثون بإسم الأرض:

”على الإنسان أن يتأمل ذاته جيدا، أين هو وماذا يعمل؟ نحن عبارة عن دود صغير على تراب موضوع فوق صفيحة صغيرة على حافة الكون الفسيح؟ ما هى جدوى تلك الطبول التى تُدَق والصراخ الذى يدوي؟“.

وينضم أخيرا ساغان فى قافلة الحكماء التى تأتى كل دورة حياتية بهم … وهنا تنتهى البانوراما .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى