متلازمة «كلنا اتربينا كده» وحتمية كسر الدايرة!
كتبت: مها طـه
«لا تربوا أولادكم كما رباكم أباؤكم، فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم» _مقولة مأثورة.
الحقيقة إن التربية هنا مش المقصود بيها الأخلاق ولا القيم الإنسانية لأنها ثوابت مش محتاجة تتغير، لكن المقصود هنا هو طريقة التربية نفسها، التعامل بشكل جديد فيما يخص التربية مع كل المعطيات اللي بتطرأ على الواقع حوالينا وفي العالم كله.
كسر الدايرة يبدأ بتلافي الأخطاء
خلينا متفقين إن معظم الجيل «بتاعنا» والمقصود بتاعنا هنا هما الجيل Y، الجيل الممتد من أواخر السبعينات وحتى منتصف التسعينات، بيعاني من مشاكل وخلافات مع أهله، كنوع من أنواع صراع الأجيال الطبيعي، لكن المختلف فينا هو إننا عارفين ننتقد أفعالهم معانا وطرق التربية اللي كانوا بيتبعوها. المصيبة بقى إنك أول ما تتجوز ويبقى عندك طفل «هووب دبل كيك» تلاقي نفسك بتعمل معاه نفس اللي كنت بتلوم أهلك عليه!
السبب إننا بنعمل كدة غالبًا بيكون طفولتنا نفسها، والذكريات اللي عايشناها وسابت أثر جوانا، وبالتالي أكبر مؤشر لكونك هتكون أب أو أم جيد، هو مدى تأثرك بطفولتك، وشكل الأحداث اللي شكلت وعيك كطفل، وعليه أحسن طريقة للتعامل مع إبنك هو إنك تنسى إنك أب وترجع لطفولتك نفسها، عشان يكون عندك تقييم صحيح للموقف، لكن مش من وجهة نظر الأب/ الأم، لكن من وجهة نظرك كطفل.
7 أخطاء أبوية مؤثرة في الطفولة
أولًا وأخيرًا وجب التنويه إن المقال مش هدفه خالص إننا نلوم على أهالينا ونقولهم إنتو السبب في إننا مش عارفين نتعامل مع ولادنا، لأنهم في النهاية بشر زيهم زيك وحاولوا يعملوا معاك سلوكيات بعينها لأنها كانت صح من وجهة نظرهم، ممكن ببساطة تبدأ إنت بنفسك، وخليك بداية كسر الدايرة .
-
التقليد:
خلينا نتخيل مع بعض مشهد، ابنك وقع كوباية كسرها، غالبًا هتقوم تقوله «إيه اللي عملته ده؟ مش تفتح، إنت دايمًا مسطول كده!»، ثانية واحدة وقف المشهد كده، وارجع بالزمن ورا، هتلاقيك غالبًا مريت بنفس المشهد ده، بس كنت إنت الطفل اللي بابا أو ماما بيزعقوا فيه، عشان وقع الكوباية كسرها.
تخيل بقى إنك حاليًا بتعمل نفس اللي اتعمل معاك، وكان وقعه سئ عليك. الأسوء بقى هو اللجوء للعنف البدني كمان من باب العقاب، والمبرر دايمًا «كلنا اتضربنا زمان»، والحقيقة إن كتير من الدراسات العلمية أثبتت بما لا يدع مجال للشك، إن العقاب البدني، مالوش أي أثر في التربية غير الآثار الضارة، اكسر الدايرة وتمالك أعصابك وافهم إن العنف بينتُج عنه شخص مريض.
-
المبالغة في رد الفعل:
المبالغة في رد الفعل هنا مقصود بيها رد الفعل العكسي، يعني مثلًا ممكن تكون كطفل تعرضت لعنف ما من الأب أو الأم، أو خوف زيادة، أو رغبة في السيطرة، فتلاقي نفسك وكنوع من التمرد على ماضيك كطفل، بتكسر القاعدة خالص بقى، وتتحول لأب غير مبالي، أو غير مُهتم، وسايبه يعمل اللي يحبه.
المشكلة في ده، إن طفلك هيترجم ده في دماغه على إنه إهمال منك ليه. إنت كده بالفعل أذيت إبنك بدل ما تصلح غلط أهلك معاك.
-
ابني ..حلمي:
ارجع بالذاكرة لورا شوية، أيام ما كنت طفل، غالبًا كان بيتم وصفك بلقب معين، تلاقي ماما أو بابا قاعدين مع حد من العيلة، وبيقولوا عليك «شقي» أو «مُتعب» وهكذا، كل الكلمات دي كانت بتضايقك وتزعلك، والحقيقة إنك بتكبر عشان تكون أب أو أم وتقول نفس الكلام.
الأسوأ بقى إنك لو مثلًا كنت مش شاطر في المدرسة دايما أهلك بيقولوا عليك كده، فإنت بتكبر كأب شايف إن ابنك امتداد ليك ولازم يتلافى اللي إنت وقعت فيه عشان مايتوصفش بنفس الوصف، وتبدأ وقتها تحمل ابنك بأحلامك اللي معرفتش تحققها.
الحالة دي بتقضي على طموح ابنك الشخصي وإحساسه بالاستقلالية عنك، عامل ابنك كشخص مختلف عنك، واحترم أحلامه المختلفة، كسر الدايرة ضرورة، وسهل أوي تعملها عن طريق إيمانك بأحلام أولادك.
-
استعادة المشاعر:
المرور بظروف صعبة في أثناء الطفولة، بيخلينا نطور أنواع من الدفاعات النفسية عشان نقاوم مشاعرنا الأولية في المرحلة دي، ونمنع نفسنا من استرجاع المشاعر دي، وبالتالي بننسى تمامًا مشاعرنا تجاه كتير من الأمور اللي بنمر بيها في أثناء تربية أولادنا.
غالبًا المشاعر المنسية دي بتخلينا نحكم على أولادنا من نفس منظور أبائنا في الحكم علينا، وبالتالي بناخد موقعنا في الدايرة المقفولة، وأولادنا بيتعرضوا لنفس البيئة اللي تعرضنا ليها. الحل هنا هو استدراك المشاعر دي، والتفاهم مع أهالينا عشان نبقى قادرين نتفهم وجهة نظرهم في تربيتنا وبالتالي نبقى قادرين على تعديل وجهة النظر دي، وكسر الدايرة ونجنب أولادنا نفس المشكلة.
-
التوصل للدوافع:
دوافعنا اللي بتتشكل في أثناء الطفولة غالبًا بتؤثر في شكل علاقتنا بعد كده، يعني مثلًا لو كنت طفل معتمد على نفسه، أهله بيسيبوه يواجه مشاكله لوحده ومن غير أي مساندة، صحيح ده ممكن يكون مفيد في تكوين شخصية مستقلة ومعتمدة على نفسها لكنها صفة مضرة جدًا كأب أو أم.
بمجرد ما يكون عندك أطفال، الطبيعي هيكونوا معتمدين عليك ومحتاجين ليك، لكن لإنك مش متعود على ده، بتتعامل مع مشاعرهم بتجاهل، ومش بتعرف تتقبل منهم اللجوء ليك والتعبير المفرط عن الحب والتعلق، وللأسف ده وبعد فترة معينة هيكون دافع ليهم عشان يعتمدوا على نفسهم، لكن كده إنت قفلت الدايرة.
التصالح مع ماضينا ودوافعنا النفسية، هي الحل لكسر الدايرة، لازم نتفهم إحساس أولادنا بيها، ونعدل سلوكنا معاهم كل فترة، ونسمع منهم عشان نقدر نقيم الموقف من وجهة نظرهم.
-
النوايا لا تُبرر الأفعال:
طبعًا إنت خايف على أولادك، وطبعًا أهلك كانوا خايفين عليك، لكن الحقيقة إن النوايا الجيدة لا تُبرر ولا تغفر الأفعال السيئة للأسف، لو ابنك عنيد أو صدر عنه تصرف غير لائق، أكيد مش الحل إنك تضربه وتجرحه وتهينه، ممكن تكون نيتك الحقيقية هي إصلاحه، وغالبًا هتقول «يسمع مني أنا أحسن ما يسمع من غيري»، لكن الحقيقة الكلمة اللي ابنك بيسمعها منك إنت ممكن توجعه أكتر.
دورك في التربية لا يقتصر على توجيه الأوامر، علاقتك بابنك مش علاقة ظابط وعسكري، ابنك ومهما كان سنه إنسان مستقل، لازم تتعود تحترمه وتتعامل معاه بالتوجيه، طبقًا لطبيعته هو مش لطبيعتك إنت.
-
استمع لصوت النقد جواك:
مهما كنا بنطور دفاعات نفسية وحواجز عشان ننسى إحساسنا كأطفال، إلا إننا لما بنيجي نتعامل مع أولادنا، أحيانًا بنسمع صوت داخلي جوانا، بينتقد أفعالنا ويقولنا فاكر لما بابا عمل معاك كذا، فاكر لما ماما زعقت عشان حاجة بسيطة، في اللحظة دي امنع نفسك من التبرير لنفسك تحت أي مسميات.
على ناحية تانية، ممكن تلاقي نفس الصوت جواك، بيقولك إنت كده مش هتعرف تسيطر على ابنك، أو هو كدة غير مسئول، الصوت ده بالذات لازم تتجاهله، لأنه صوت “سادي” مُحرض، كل هداف نفسك منه، إنها تحسسك بفرض سيطرتك على كائن مهما كان أضعف منك.
أخيرًا أولادنا صحيح جزء مننا وبنكون مسئولين عنهم، لكن في الحقيقة هما أمانة، مشروع عمر ويا تنجح فيه يا تفشل، محتاجين مجهود ورعاية واهتمام، ابني جسور تواصل بينك وبين أولادك، خليهم يعبروا عن نفسهم دايمًا ومن غير خوف، وخليك مرن وزي ما هتحب تغير فيهم حاجات، لازم تتاكد من إنهم بالضرورة هيغيروا جواك حاجات.
المصادر: lifespanlearn psychalive devpsych psychologytoday