
الطفرة الوراثية وحكاية الحصان أبو 5 صوابع!
كتبت : مها طه
في كلامنا عن الطفرة الوراثية هنبدأ المقال بسؤال، يا ترى الحصان عنده كام صباع؟!
إجابة السؤال ده ليها قصة هحكيها ليكم، الحصان زمان، زمان أوي، من ملايين ملايين السنين، كان تقريبًا في حجم التعلب كده، ده حقيقي، لكنه اتطور. التطور ده كان في صورة إن رجليه طولت، أسنانه بقت أقوى عشان يقدر ياكل العشب بشكل أحسن، لكن الملفت بالنسبة لي أكتر، إنه كان عنده 3 أو 5 صوابع، زينا كده، الحصان أخد مراحل كتيرة من التطور لحد ما وصل للشكل اللي إحنا بنشوفه حاليًا، القوي الطويل الوسيم _عشان صديقات البرنامج مايزعلوش :D_ واللي عنده صباع واحد بيغطيه حافر.
الحصان كان عنده 5 صوابع زمان لأنه من الثدييات المتطورة. بحكم ظروف البيئة والأرض اللي بيمشي عليها، الصوابع دي كانت بتتعور بشكل مستمر، فحصلت طفرة خلت الصوابع دي تقصر، ويبقى الارتكاز كله على الصباع الوسطاني بس، وبمرور الوقت الصوابع دي حصلها ضمور أصلًا، والحافر _بمثابة الضوافر عندنا_ نما بشكل كبير، وغطى الصوباع الوسطاني ده، وبقى الحصان بصباع واحد.
كل اللي حصل للحصان ده، وأدى لتطوره كان عبارة عن مجموعة من الطفرات الوراثية اللي توارثتها الأجيال بشكل مستمر لحد ما وصلنا لشكل الحصان اللي نعرفه دلوقتي، هو يعني إيه طفرة؟ وليه الطفرة بتحصل أصلًا؟ وهل كل الطفرات بتكون مفيدة؟
الطفرة سبب تنوع الكائنات الحية
الطفرات الوراثية هي تغيرات بتحصل في التسلسل الجيني الموجود على الـDNA، لأنه في أثناء انقسام الخلية، الـDNA الموجود جواها بيتنسخ عشان كل خلية جديدة يبقى فيها نفس النسخة من الـDNA بنفس التسلسل الجيني. أحيانًا بقى في أثناء عملية النسخ دي، بيحصل لخبطة، حاجة تيجي مكان حاجة، المشكلة إن مهما كانت الغلطة دي صغيرة، فحدوثها معناه حدوث طفرة ما، والحقيقة إن الطفرات ممكن تحصل على مستويات كتير وبأشكال مختلفة، وده اللي هنشرحه بالتفصيل بعد شوية.
الطفرات الجينية هي السبب في التنوع البيولوجي بين كل الكائنات الحية اللي عايشة على الأرض، لأنك مثلًا لما تقارن بين الحمض النووري بتاع الحمار المخطط والحمار العادي، هتلاقي إنهم متشابهين بنسبة كبيرة، لكن الطفرات اللي حصلت في التسلسل الجيني، هي اللي خلتهم يكونوا مختلفين عن بعض.
الطفرات مختلفة مش كلها زي بعض
الطفرات بيتم تصنيفها على أُسس مختلفة، جينية وصبغية، مرغوبة وغير مرغوبة، تلقائية ومصطنعة، لكن التصنيف الرئيسي ليها، هو طفرات موروثة وطفرات مكتسبة.
- الطفرات الموروثة: ودي الطفرات اللي الكائن بياخدها من أحد الأبوين، وبتبقى موجودة على الـDNA بتاعه في كل خلية من خلايا جسمه. أحيانًا الطفرات دي بتتسمى ”الطفرات المشيجية“ لأنها بتبقى طفرة موجودة على الأمشاج _الحيوان المنوي أو البويضة_ سواء حصلت الطفرة دي في أثناء تكوين الأمشاج نفسها أو إنها كانت موجودة عند الأب أو الأم، وتم توريثها للجيل الجديد عن طريق الحيوان المنوي أو البويضة.
- الطفرات المكتسبة: ودي طفرة الكائن مش بيتولد بيها لكنه بيكتسبها في أثناء حياته، وبتبقى موجودة في خلايا معينة مش في كل خلايا الجسم، وبيكون ليها سبب عشان تحصل سواء كانت الأسباب دي مجرد عوامل بيئية، زي الأشعة الفوق بنفسجية من الشمس، أو التعرض لمواد كيميائية مثلًا أو إشعاع أو إنها حصلت نتيجة غلط معين في نسخ الحمض النووي في جسم الكائن في أثناء انقسام خلاياه. الطفرات دي بتكون جسدية كلها _مش بتحصل في الأمشاج_ ولا يمكن توريثها للجيل التالي، زي مثلًا الشخص اللي بيتولد بـ6 صوابع.
السرطان أصله طفرة
السرطان أو الخلايا السرطانية هي في الأصل خلايا طبيعية حصلت فيها طفرة ما، وبدأ الحمض النووي بتاعها ينقسم بشكل لا يمكن السيطرة عليه، ويغير شكل الخلايا الطبيعية. الطفرة دي بتكون مكتسبة وعشان كده السرطان مش بيتم توريثه، لكن مع ذلك دايمًا نسمع إن الستات اللي ليهم تاريخ مرضي مع سرطان الثدي في العيلة، لازم يخضعوا للكشف كل فترة عشان يتطمنوا! الحقيقة إن السبب في ده هو إن السرطان بيحصل نتيجة طفرة في الجينات المسئولة عن التحكم في نمو الخلايا، وأحيانًا وبشكل غير مفهوم أوي، بيتولد بعض الأشخاص بالجينات المؤدية للإصابة بالسرطان اللي انتقلت ليهم من أبوهم أو أمهم، وده بيخليهم يبقوا أكتر عُرضة من غيرهم للإصابة بيه.
الطفرات.. مفتاح التطور
السبب الرئيسي في ”الانتخاب الطبيعي“ النظرية اللي اتكلم عنها داروين، واللي بتقول إن البقاء للأصلح، للكائن اللي يقدر يتكيف مع البيئة والمخاطر اللي حواليه، واللي بتفسر سبب انقراض أنواع معينة وبقاء غيرها، هي أن الكائن لما بتطرأ على البيئة اللي بيعيش فيها تغيرات جديدة، بيبقى لازم يتكيف عليها، وبالتالي بتحصل الطفرات واللي غالبًا بيورثها عشان تقدر الأجيال اللي جاية من بعده تتعامل مع نفس الظروف دي.
مع إن كلنا بشر لكن أشكالنا وملامحنا مختلفة. بنختلف حتى في الصفات العامة، الأفارقة مثلًا بشرتهم غامقة، الأنف أكبر، الشفايف غليطة. الآسيويين قامتهم أقصر، عيونهم ضيقة، لون جلدهم أصفر شوية، وبالمناسبة ده مالوش أي علاقة بالقنبلة الذرية، ولا هما أساسًا شبه بعض، هما بس بتجمعهم صفات عامة واحدة.
المهم إن السبب في الاختلافات دي سببها إن الجين الواحد بيبقى ليه مجموعة من النسخ المختلفة ”الأليلات“، وهي دي اللي بتخلي البشر ممكن يبقى عندهم نفس الجين، لكن شكل الأليلات المختلف، يخلي كل واحد فينا له شكل مميز ومختلف عن الباقيين. الأليلات دي في بعضها بتورث من الأم وبعضها من الأب، وفي النهاية تلاقي إن الكائن الجديد ده، بقى عنده أليلات تانية جديدة، وهو ده سبب التنوع الوراثي.
إزاي الطفرات بتحصل وبتظهر علينا؟
الجينات الموجودة على الحمض النووي الـDNA عندنا كلنا، في منها المُفعل، أو بمعنى أصح بيتم ترجمته لبروتينات معينة عشان يظهر على الشكل الخارجي، وفي منها غير المُفعل، وده اللي بيكون موجود عندنا وممكن نورثه، لكنه مش بيظر علينا _لو حابب تعرف أكتر ممكن تقرأ موضوعنا عن الـDNA من هنا.
الطفرة بقى لما بتحصل في الجينات، ممكن توقف عمل جين معين أو العكس، تشغل جين مكنش مُفعل أصلًا، وده على حسب البروتين اللي هي بتتحكم فيه عشان يتصنع، مثلًا من أشهر الطفرات اللي بتحصل في البشر، هي طفرة حساسية اللاكتوز، اللي بتخلي الأمعاء تقدر في مرحلة الطفولة تهضم سكر اللاكتوز الموجود في اللبن، وبعد كدة تتحول، وتوقف عمل الإنزيمات اللي بتهضمه، فنلاقي إن حوالي تلتين البشر البالغين، عندهم حساسية من اللاكتوز الموجود في اللبن وبيسبب لهم مشاكل في الهضم _إقرأ أكتر عن حساسية اللاكتوز_.
أخيرًا لازم نقول إن الطفرات مش شئ عشوائي، لأ دي ليها نظام بيحكمها. كلما كان الكائن مُعقد أكتر، كلما كانت الطفرات فيه أقل، لأن الـDNA بتاع الفيروسات مثلًا بيكون سهل أوي إن تحصل فيه طفرات، وده السبب في انتشارها وتكيفها مع البيئة باستمرار، لكن على العكس، البشر الطفرات فيهم غالبًا بتبقى ناتجة عن خلل ما ومش بتحصل كتير، وكتير منها بيعتبر كأمراض أو عيوب خلقية.
السبب في إن الطفرات في البشر نادرة، هو وجود منظومة لحماية الـDNA، واللي بتبقى عبارة عن مجموعة من الإنزيمات اللي بتقوم بإصلاح عيوب الـDNA عشان تقلل قدر الإمكان أي خطأ ممكن يحصل في أثناء النسخ.
الطفرة ممكن تحصل لأسباب كتير، زي التعرض للإشعاع، المواد الكيميائية، تراكم نواتج العمليات الحيوية في الخلية، أو حتى الأشعة الفوق البنفسجية اللي جاية من الشمس. الطفرة زي ما هي السبب في نجاح الكائنات اللي عايشة حاليًا على الأرض في البقاء والتطور والتكيف، هي كمان من أهم مسببات الأمراض في البشر، وده اللي هنعرفه في مقالنا اللي جاي عن الأمراض الناتجة عن الطفرات الوراثية.
المصادر: