.
نوّرها

الإيروجيل: رهانات صغيرة تصنع اكتشافات عظيمة

كتبت: يارا كمال

زي ما نيوتن وقعت على راسه التفاحة، وده خلاه يبحث ورا الموضوع ويكتشف الجاذبية، فتقريبا عظ الحاجات الكبيرة والعظيمة بتتعرف من حاجات صغيرة أوي، وكل اللي بتتطلبه هو ذهن حاضر وشغوف بالعلم وبإنه يفضل ماشي ورا الحاجات الصغيرة دي عشان يوصل للحاجة الكبيرة، وأهي نفس القصة دي حصلت مع مادة اسمها ”إيروجيل“ أو الهلام الهوائي (Aerogel).

مبدئيًا الهلام الهوائي ده هو أخف مادة صلبة موجودة في الكون، مع ذلك تقدر تسند أو تتحمل حاجة وزنها من 500 لـ4000 ضعف وزنها. بوصة مكعبة من المادة دي ممكن تمتد وتغطي ملعب كرة قدم كامل (البوصة تساوي 2,54 سنتيمتر).

المادة دي كمان بتقدر تمتص الميه والزيت. وبرغم إن الإيروجيل أو الهلام الهوائي موصل هايل للكهربا، إلا إنها من أفضل العوازل الحرارية. الصفات دي تخلي الهلام الهوائي مادة استثنائية ممكن نستفيد بيها في تطبيقات كتير.

طب إيه القصة الصغيرة اللي طلع منها الاكتشاف ده؟

الرهان الذي صنع الإيروجيل:

الحكاية اللي بتدور حوالين اكتشاف الإيروجيل، واللي مش أكيد إنها حقيقية، بتقول إن في أواخر العشرينات من القرن اللي فات، اتراهن أستاذ الكيمياء الأمريكي ”صامويل كيستلر“ مع زميله ”تشارلز ليرند“ إن اللي بيخلي أي مادة على هيئة ”جل“ أو هلام مش إن ليها خصائص السائل، لأ ده بسبب هيكل الجزيئات بتاعتها! بمعنى إن اللي بيخلي الهلام، هلام زي الجيلي كده، هو شبكة المسام النانوية ”Nanopores“ اللي بتكون الهيكل ده.

اعرف إيه هو النانو من هنا

طب يا حدق، تقدر بقى تستبدل السائل اللي في الجل بغاز من غير ما يتأثر الهيكل بتاع الهلام، ويفضل هلام زي ما هو؟

ده كان الرهان، واللي نجح فيه ”كيستلر“، بس طبعًا بعد محاولات كتيرة، ونشر مقال فيه النتايج اللي وصل لها في جريدة ”Nature“ العلمية على سنة 1931.

الهلام الهوائي ده في البداية بدأ بحاجة اسمها ”Alcogel“، اللي هو هلام لمادة اسمها السيليكا واللي بيحتوي كحول في مسامه النانوية. خلوا بالكم السيليكا غير السليكون: السليكون هو شبه موصل بيستخدم في الرقائق الإلكترونية، أما السيليكا هي مادة زجاجية بتستخدم في العزل.

الهم بقى لو لو بخّرنا الكحول من هيكل السيليكا، ده هيخلي الهيكل ينكمش، زي ما تجيب سفنجة مبلولة كده وتسيبها تنشف، هتلاقي شكلها اتغير. عشان كده بدل ما نعتمد على التبخر، لازم الهلام ده يتجفف بشكل فوق حرج (ودي العملية اللي فيها السائل اللي جوه مادة بيتحوّل لغاز مع عدم وجود توتر سطحي أو ضغط شعري). ده بيحتاج إيه بقى؟

خد عندك يا سيدي: إننا نضغط الجل ونسخنه لأكتر من النقطة الحرجة (اللي هي النقطة اللي مابيبقاش عندها فيه فرق بين السائل والغاز)، وبعدين نرفع الضغط من على الهلام بحيث يفضل فوق درجة الحرارة الحرجة برضه، لما الضغط هيقل، الجزيئات بتتحرر على هيئة غاز والسائل بيبقى أقل كثافة.

لما نبعد الجل عن مصدر الحرارة، والهيكل ده يبرد، هيبقى فاضل كحول قليل أوي على إنه يرجع يتكثف ويبقى سائل، بيتحوّل لغاز. وده بيوصلنا في الآخر لمادة صلبة مصنوعة من السيليكا، بس مليانة هوا.

طب ليه ”كيستلر“ ماستخدمش الميه وأهي مننا وعلينا؟ لإن الميه بتتبخر بسرعة أوي على إنها تقدر تحتفظ بهيكل الهلام.

مش كل إيروجيل يبقى سيليكا:

الهلام الهوائي مابيتعملش بس من السيليكا، لأ ده كمان بيتعمل من الكربون ومن أكاسيد المعادن، بس السيليكا هي أكتر حاجة بتستخدم في التجارب وفي التطبيقات العملية.

أما بالنسبة للهلام الهوائي اللي من الكربون، فصفاته بتخليه مفيد جدًا في استخدامه في المكثفات الفائقة وخلايا الوقود وأنظمة تحلية المياه. أما الهلام الهوائي المصنوع من أكاسيد المعادن، فبتستخدم كمحفزات للتحولات الكيميائية، وفي إنتاج المتفجرات و أنابيب الكربون النانوية.

(الإيروجيل من أحسن المواد العازلة، لدرجة إنها حامية الشوكولاته من الشعلة اللي تحتيها)

بس كده؟ لأ ده استخدامات الهلام الهوائي بشكل عام كتيرة ومهمة: بتبدأ من أول المكياج والدهانات وفلاتر السجاير وعزل الفريزرات لحد صناعة النابلم وفي اكتشاف الفضاء.

وانتهى المشوار .. لأ مانتهاش:

aerogel hand

في بداية الأربعينات من القرن الماضي، ”كيستلر“ مضى عقد مع شركة اسمها ”Monsanto“ عشان تستخدم فكرة الإيروجيل في منتجاتها، بس للأسف في السبعينات، يعني بعد حوالي 30 سنة، قرروا إنهم يوقفوا تركيزهم على الإيروجيل، وبالفعل الشركة دي دلوقتي بتشتغل في تطوير وبيع النباتات المعدّلة جينيًا. طب ليه ده حصل؟ عشان صناعة الإيروجيل خطر وبتستهلك وقت وفلوس كتير، يكفي إني أقول لك إن المادة دي أغلى من الدهب، لإني المواد وعملية التصنيع نفسها بتحتاج حوالي دولار على السنتيمتر مكعب.

العلماء حاولوا يستخدموا مركب آلكوكسيد في عملية صناعة الإيروجيل عشان يقللوا خطورة الموضوع، وبرضه قللوا خطورة العملية بإنهم بدّلوا الكحول فوق الحرج بثاني أكسيد الكربون فوق الحرج في عملية التجفيف، وده كمان قلل الوقت اللي بتاخده العملية. وبكده بقى قابل للاستخدام التجاري أكتر من الأول.

وبرغم إنه لسه غالي برضه، بس أحسن من الأول، عشان كده بتستخدمه الشركات المصنعة للسليكون ولمواد البناء، ووكالات الفضاء، وبيستخدم في لبس الغطس ولبس رجال المطافي وفي المناور والشبابيك والصواريخ والدهانات ومستحضرات التجميل والقنابل النووية، ده غير بقى استخداماته في الفضاء.

الإيروجيل .. مضرب تنس يجمع الغبار الكوني:

يعني غير إنه بيستخدم في عزل الأجهزة الكهربائية بتاعة المسبار اللي رايح المريخ، بيستخدم كمان في التقاط الغبار الكوني اللي بتطلقها المذنبات. المذنبات أجسام بدائية بيعود تاريخها لميلاد المجموعة الشمسية، ولما بتطير في الفضاء بتطلق جزيئات اسمها الغبار الكوني. الغبار ده العلماء اللي عايزين يدرسوا ازاي العالم بدأ بيسعوا للحصول عليه.

فيه مهمة أطلقتها وكالة ناسا سنة 1999 للمذنب ويلد 2، عشان يجمعوا الغبار الكوني وعينات من المذنب. المركبة الفضائية قطعت 4.8 مليار كيلومتر عشان توصل للمذنب، يعني ما يساوي 6 آلاف رحلة للقمر. لما المركبة وصلت، فيه جامع للغبار شكله شبه مضرب التنس كده فتح، واستخدم 260 مكعب من الإيروجيل عشان يلتقطوا الغبار السريع ده ويحتفظوا بيه في حالته الطبيعية. المركبة الفضائية رجعت سنة 2006، من غير ما تفقد أي مكعب من الإيروجيل اللي احتفظ بالغبار الفضائي.

يمكن ناسا هي اللي تقدر على تكاليف الإيروجيل أكتر من العوام. بس برضه برغم تكلفته العالية، إلا إنه موفر في عمل إطارات الحيطان وفي الأماكن اللي يصعب عزلها.

في الآخر هي حاجة من اتنين: يا إما الزهر يلعب مع البشرية وتقدر تصنعه أو هو نفسه يرخص بقى، شوف لكم حل 😀


المصادر:  businessinsider  Nature  Aerogel

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى